بسم الله الرحمن الرحيم
هذه فتوى من الشيخ سلمان العودة لأحد الأخوات
تقول هي :-
فضيلة الشيخ، أنا فتاة مستقيمة منذ طفولتي - والحمد لله وبدون مقدمات بدأت أعاني من وسواس يلازمني ليلاً ونهاراً، ويجعل الدنيا سوداء بعيني فلا أحس بمباهج الحياة، ومفاد هذا الوسواس: أن جميع ما لديّ من نعمة أنها ليست من الله، بل مني أنا ومن تعبي، ولا يقف عند هذا الحد، بل تطاول ووصل إلى مسبة ذات الله، والتهجم عليه - تعالى الله علواً كبيراً سبحانه وتعالى -، وكان هذا الشيطان اللعين يأتيني بشكل متصل ومتكرر يومياً، وهذا ما جعلني أتعذب كثيراً، وتتغير حياتي، وتنقلب رأساً على عقب، كما لحق الأذى أيضاً ببيتي وزوجي، فقد تغيرَّت عليه كثيراً، ولكن فضيلة الشيخ لم نقف - لا أنا ولا زوجي - جزاه الله خيراً -، وبدأنا نقاومه، سواء بالقراءة عند أحد المشايخ في جدة، أو عن طريق الطب النفسي، الذي حدد المشكلة بالوسواس القهري، وعن طريق الأدوية تعافيت كثيراً، وتبقت نسبة - والحمد لله – قليلة، مقارنة بما كنت عليه في بداية المرض، ولكن حتى هذه النسبة القليلة لم تجعلني أحس بانشراح الصدر وراحة البال. وقد استخدمت جميع السبل لطرد هذا الشيطان اللعين، من استعاذة، وذكر لله - عز وجل - والتقرب إليه بالصدقات والصلاة، والدعاء بأن يريني رؤيا تريحني من العذاب الذي أنا فيه، فهل لطلب الرؤيا من الله - سبحانه وتعالى - شروط يجب القيام بها؟ أم هي بحسب قرب العبد من ربه فقط؟ هل لديكم فضيلة الشيخ رأي يخرجني من هذا الضيق، إلى فضل الله وسعة رحمته؟ هل يؤاخذني ربي على ما ينتابني من وساوس لعينة ليست بمحض إرادتي ؟ والله أعلم بما في صدري .
أجاب الشيخ :-
ما شرحته من حالك، والأوهام التي تنتابك، هو كما شرح لك الأطباء داخل في الوسواس القهري، فلا يضيرك هذا ولا يؤاخذك الله عليه؛ لأنه خارج عن إرادتك، وقد قال الله - تعالى -: " لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا " الآية، [البقرة : 286] وقال: " لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا مَا آتَاهَا " الآية، [الطلاق : 7] وقال: " فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ " الآية، [ التغابن : 16] وقال - صلى الله عليه وسلم - كما في الحديث الذي رواه الشيخان عن أبي هريرة:" إن الله تجاوز لأمتي عما حدَّثتْ به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم"، أخرجه البخاري (6664)، ومسلم (127).وهذا في الحالات العادية؛ فكيف بالمبتلى بالوسواس الذي قد توسوس له نفسه أنه تكلم أو عمل فيدخل في متاهة لا قرار لها. فعليكِ أولاً: بالاستمرار فيما أنتِ عليه من القراءة، والأذكار، والأوراد، والصلوات، والأدعية، ونحوها من الأسباب الشرعية، التي تحصن الإنسان من الشيطان، وتعينه على مقاومة الأمراض النفسية، وعليك ثانياً: بمتابعة العلاجات النافعة التي يصرفها لك الأطباء الموثوقون، - خصوصاً ما تجدين له أثراً في حالتك - وعليك ثالثاً: بالحرص على الانهماك والانشغال بالأعمال المختلفة، التي تستنزف طاقتك وتستفرغ جهدك، سواء كان ذلك في عمل المنزل أو الوظيفة - إن كانت - أو غير ذلك، وأوصيك بالعناية بأن تعيشي حياتك كأحسن ما تكون، عناية بملبسك، وتبعلاً لزوجك، واهتمامك بأطفالك، وأن تعتبري هذا قربة وزلفى إلى الله – تعالى -، وستجدين لذلك أثراً طيباً. كما أوصيك بالمشاركة في المجالس الطيبة، من حلق العلم والذكر، والجلسات الخيرية، والمراكز، والمنتديات النافعة، ومثلها تجمعات الأقارب، والجيران، والأصدقاء، ولعل ذلك أن يصرف تفكيرك بعض الشيء عن هذه الأفكار، وتذكري أبداً أن ضيقك وتبرمك أكبر دليل على عدم تقبلك لهذه الوساوس، وبالتالي فهذا الضيق علامة الإيمان، وفيه رفعة لدرجاتك، وتكثير لحسناتك، ومهما خطر ببالك، فالله ليس كذلك، لا تدركه الأوهام ولا تحيط به العقول، ولا تناله الظنون، - سبحانه وبحمده -. كفاك الله ما أهمك، ورفع بحوله وقوته عناءك، وشفاك وعافاك، وأصلحك لنفسك وولدك.