الرئيسية التسجيل التحكم

عدد الضغطات : 322
عدد الضغطات : 2,029
عدد الضغطات : 4,427عدد الضغطات : 0عدد الضغطات : 2,768

 
العودة   منتديات سلايل عبس | بني رشيد >

المنتديات العامة

> المكتبة الدينية
التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم


إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 08-23-2010, 05:16 AM
فريق المتابعة والتنظيم
رمسيس متواجد حالياً
Saudi Arabia     Male
لوني المفضل Sienna
 رقم العضوية : 882
 تاريخ التسجيل : Apr 2009
 فترة الأقامة : 5554 يوم
 أخر زيارة : 06-27-2024 (12:40 PM)
 الإقامة : موطنـي وإن جار الزمن علي عزيزٌ
 المشاركات : 3,500 [ + ]
 التقييم : 309
 معدل التقييم : رمسيس is a jewel in the roughرمسيس is a jewel in the roughرمسيس is a jewel in the roughرمسيس is a jewel in the rough
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي ^^ قصـص الأنبيـــاء ^^





باب ما ورد في خلق آدم عليه السلام



قال الله تعالى : " وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون * وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين * قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم * قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون * وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين * وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين * فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين * فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم * قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون * والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون "


وقال تعالى : " إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون " وقال تعالى : " يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا "


كما قال : " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير "


وقال تعالى : " هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها "


وقال تعالى : " ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين * قال ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين * قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين * قال أنظرني إلى يوم يبعثون * قال إنك من المنظرين * قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم * ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين * قال اخرج منها مذؤوما مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين * ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين * فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما وري عنهما من سوآتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين * وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين * فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين * قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين * قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين * قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون "


كما قال في الآية الأخرى : " منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى " وقال تعالى : " ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإ مسنون * والجان خلقناه من قبل من نار السموم * وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون * فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين * فسجد الملائكة كلهم أجمعون * إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين * قال يا إبليس ما لك أن لا تكون مع الساجدين * قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون * قال فاخرج منها فإنك رجيم * وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين * قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون * قال فإنك من المنظرين * إلى يوم الوقت المعلوم * قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين * قال هذا صراط علي مستقيم * إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين * وإن جهنم لموعدهم أجمعين * لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم "


وقال تعالى : " وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا * قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا * قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا * واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا * إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا " وقال تعالى : " وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا " وقال تعالى : " ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما * وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى * فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى * إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى * وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى * فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى * فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى * ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى * قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى * ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى " وقال تعالى : " قل هو نبأ عظيم * أنتم عنه معرضون * ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون * إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين * إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين * فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين * فسجد الملائكة كلهم أجمعون * إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين * قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين * قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين * قال فاخرج منها فإنك رجيم * وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين * قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون * قال فإنك من المنظرين * إلى يوم الوقت المعلوم * قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين * قال فالحق والحق أقول * لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين * قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين * إن هو إلا ذكر للعالمين * ولتعلمن نبأه بعد حين "


فهذا ذكر هذه القصة من مواضع متفرقة من القرآن ، وقد تكلمنا على ذلك كله في التفسير ، ولنذكر هاهنا مضمون ما دلت عليه هذه الآيات الكريمات ، وما يتعلق بها من الأحاديث الواردة في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والله المستعان


فأخبر تعالى أنه خاطب الملائكة قائلاً لهم : " إني جاعل في الأرض خليفة " أعلم بما يريد أن يخلق من آدم وذريته الذين يخلف بعضهم بعضاً كما قال : " وهو الذي جعلكم خلائف الأرض " وقال تعالى : " ويجعلكم خلفاء الأرض " فأخبرهم بذلك على سبيل التنويه بخلق آدم وذريته ، كما يخبر بالأمر العظيم قبل كونه ، فقالت الملائكة سائلين على وجه الإستكشاف والإستعلام عن وجه الحكمة ، لا على وجه الإعتراض والتنقص لبني آدم والحسد لهم ، كما قد يتوهمه بعض جهلة المفسرين ، قالوا : " أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء "


وقيل علموا أن ذلك كائن بما رأوا ممن كان قبل آدم من الجن والبن ، قاله قتادة


وقال عبد الله بن عمر : كانت الجن قبل آدم بألفي عام فسفكوا الدماء ، فبعث الله إليهم جنداً من الملائكة فطردوهم إلى جزائر البحور


وعن ابن عباس نحوه وعن الحسن ألهموا ذلك


وقيل : لما أطلعوا عليه من اللوح المحفوظ ، فقيل أطلعهم عليه هاروت وماروت عن ملك فوقهما يقال له السجل رواه ابن أبي حاتم عن أبي جعفر الباقر


وقيل : لأنهم علموا أن الأرض لا يخلق منها إلا من يكون بهذه المثابة غالباً


" ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك " أي نعبدك دائماً لا يعصيك منا أحد ، فإن كان المراد بخلق هؤلاء أن يعبدوك فها نحن أولاء لا نفتر ليلاً ولا نهاراً


" قال إني أعلم ما لا تعلمون " أي أعلم من المصلحة الراجحة في خلق خلق هؤلاء ما لا تعلمون ، أي سيوجد منهم الأنبياء والمرسلون والصديقون والشهداء الصالحون


ثم بين لهم شرف آدم عليهم في العلم فقال : " وعلم آدم الأسماء كلها " قال ابن عباس : هي هذه الأسماء لا يتعارف بها الناس : إنسان ، ودابة ، وأرض ، وسهل ، وبحر ، وجبل ، وجمل ، وحمار ، وأشباه ذلك من الأمم وغيرها


وقال مجاهد : علمه اسم الصحفة ، والقدر ، حتي الفسوة والفسية


وقال مجاهد : علمه اسم كل دابة ، وكل طير وكل شيء وكذا قال سعيد بن جبير وقتادة وغير واحد


وقال الربيع : علمه أسماء الملائكة وقال عبد الرحمن بن زيد : علمه أسماء ذريته


والصحيح : أنه علمه أسماء الذوات وأفعالها مكبرها ومصغرها ، كما أشار إليه ابن عباس رضي الله عنهما


وذكر البخاري هنا ما رواه هو و مسلم من طريق سعيد وهشام ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يجمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا ، فيأتون آدم فيقولون أنت أبو البشر ، خلقك الله بيده ، وأسجد لك ملائكته ، وعلمك أسماء كل شيء " وذكر تمام الحديث


" ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين " قال الحسن البصري : لما أراد الله خلق آدم ، قالت الملائكة : لا يخلق ربنا خلقاً إلا كنا أعلم منه فابتلوا بهذا ، وذلك قوله : " إن كنتم صادقين "


وقيل غير ذلك كما بسطناه في التفسير


قالوا : " سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم " أي سبحانك أن يحيط أحد بشيء من علمك من غير تعليمك ، كما قال : " ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء "


" قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون " أي أعلم السر كما أعلم العلانية


وقيل : إن المراد بقوله : " أعلم ما تبدون " ما قالوا : " أتجعل فيها من يفسد فيها " وبقوله : " وما كنتم تكتمون " المراد بهذا الكلام إبليس حين أسر الكبر والنفاسة على آدم عليه السلام ، قاله سعيد بن جبير ومجاهد والسدي والضحاك والثوري واختاره ابن جرير


وقال أبو العالية والربيع والحسن وقتادة : " وما كنتم تكتمون " قولهم : لن يخلق ربنا خلقاً إلا كنا أعلم منه وأكرم عليه منه


وقوله : " وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر " هذا إكرام عظيم من الله تعالى لآدم حين خلقه بيده ، ونفخ فيه من روحه ، كما قال : " فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين " فهذه أربع تشريفات : خلقه بيده الكريمة ، ونفخه من روحه ، وأمر الملائكة بالسجود له ، وتعلميه أسماء الأشياء


ولهذا قال له موسى حين اجتمع هو وإياه في الملأ الأعلى وتناظرا كما سيأتي : " أنت آدم أبو البشر الذي خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه ، وأسجد لك ملائكته ، وعلمك أسماء كل شيء " وهكذا يقول له أهل المحشر يوم القيامة كما تقدم ، وكما سيأتي إن شاء الله تعالى


وقال في الآية الأخرى : " لقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين * قال ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين "


قال الحسن البصري : قال إبليس ، وهو أول من قاس وقال محمد بن سيرين : أول من قاس إبليس ، وما عبدت الشمس ولا القمر إلا بالمقاييس ، رواهما ابن جرير


ومعنى هذا أنه نظر نفسه بطريق المقايسة بينه وبين آدم فرأى نفسه أشرف من آدم فامتنع من السجود له ، مع وجود الأمر له ولسائر الملائكة بالسجود والقياس إذا كان مقابلاً بالنص كان فاسد الإعتبار ، ثم هو فاسد في نفسه ، فإن الطين أنفع وخير من النار ، لأن الطين فيه الرزانة والحلم والأناة والنمو ، والنار فيها الطيش والخفة والسرعة والإحراق


ثم إن آدم شرفه الله بخلقه له بيده ونفخه فيه من روحه ، ولهذا أمر الملائكة بالسجود له ، كما قال : " وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون * فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين * فسجد الملائكة كلهم أجمعون * إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين * قال يا إبليس ما لك أن لا تكون مع الساجدين * قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون * قال فاخرج منها فإنك رجيم * وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين " استحق هذا من الله تعالى لأنه استلزم تنقصه لآدم وازدارءه به وترفعه عليه مخالفة الأمر الإلهي ومعاندة الحق في النص على آدم على التعيين


وشرع في الإعتذار بما لا يجدي عنه شيئاً ، وكان اعتذاره أشد من ذنبه كما قال تعالى في سورة سبحان : " وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا * قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا * قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا * واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا * إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا "


وقال في سورة الكهف : " وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني " أي خرج عن طاعة الله عمداً وعناداً وإستكباراً عن امتثال أمره ، وما ذاك إلا لأنه خانه طبعه ومادته الخبيثة أحوج ما كان إليه ، فإن مخلوق من نار كما قال ، وكما جاء في صحيح مسلم عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " خلقت الملائكة من نور ، وخلقت الجان من مارج من نار ، وخلق آدم مما وصف لكم "


قال الحسن البصري : لم يكن إبليس من الملائكة طرفة عين قط وقال شهر بن حوشب : كان من الجن ، فلما أفسدوا في الأرض بعث الله إليه جنداً من الملائكة فقتلوهم وأجلوهم إلى جزائر البحار ، وكان إبليس ممن أسر فأخذوه معهم إلى السماء فكان هناك ، فلما أمرت الملائكة بالسجود امتنع إبليس منه


قال ابن مسعود وابن عباس وجماعة من الصحابة وسعيد بن المسيب وآخرون : كان إبليس رئيس الملائكة بالسماء الدنيا قال ابن عباس : وكان اسمه عزازيل ، وفي رواية عنه : الحارث قال النقاش : وكنيته أبو كردوس قال ابن عباس : وكان من حي من الملائكة يقال لهم الجن ، وكانوا خزان الجنان ، وكان من أشرفهم ومن أكثرهم علماً وعبادة وكان من أولى الأجنحة الأربعة فمسخه الله شيطاناً رجيماً


وقال في سورة ص : " إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين * فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين * فسجد الملائكة كلهم أجمعون * إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين * قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين * قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين * قال فاخرج منها فإنك رجيم * وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين * قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون * قال فإنك من المنظرين * إلى يوم الوقت المعلوم * قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين * قال فالحق والحق أقول * لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين "


وقال في سورة الأعراف : " قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم * ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين " أي بسبب إغوائك إياي لأقعدن لهم كل مرصد ، ولآتينهم من كل جهة منهم ، فالسعيد من خالفه والشقي من اتبعه


وقال الإمام أحمد : حدثنا هاشم بن القاسم ، حدثنا أبو عقيل - هو عبد الله بن عقيل الثقفي - حدثنا موسى بن المسيب ، وعن سالم بن أبي الجعد ، عن سبرة بن أبي الفاكه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه " وذكر الحديث


وقد اختلف المفسرون في الملائكة المأمورين بالسجود لآدم


أهم جميع الملائكة كما دل عليه عموم الآيات ؟ وهو قول الجمهور


أو المراد بهم ملائكة الأرض ، كما رواه ابن جرير من طريق الضحاك عن ابن عباس ؟ وفيه انقطاع وفي السياق نكارة ، وإن كان بعض المتأخرين قد رجحه


ولكن الأظهر من السياقات الأولى ، ويدل عليه الحديث : " وأسجد له ملائكته " وهذا عموم أيضاً والله أعلم


وقوله تعالى لإبليس : " اهبط منها " و " اخرج منها " دليل على أنه كان في السماء فأمر بالهبوط منها ، والخروج من المنزلة والمكانة التي كان قد نالها بعبادته ، وتشبهه بالملائكة في الطاعة والعبادة ، ثم سلب ذلك بكبره وحسده ومخالفته لربه ، فأهبط إلى الأرض مذءوماً مدحوراً


وأمر الله آدم عليه السلام أن يسكن هو وزوجته الجنة فقال : " وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين وقال في الأعراف : " قال اخرج منها مذؤوما مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين * ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين "


وقال تعالى : " وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى * فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى * إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى* وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى "


وسياق هذه الآيات يقتضي أن خلق حواء كان قبل دخول آدم إلى الجنة لقوله : " ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة " وهذا قد صرح به إسحاق بن يسار ، وهو ظاهر هذه الآيات


ولكن حكى السدي عن أبي صالح وأبي مالك ، وعن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود ، وعن ناس من الصحابة أنهم قالوا : أخرج إبليس من الجنة وأسكن آدم الجنة ، فكان يمشي فيها وحشي ليس له فيها زوج يسكن إليها ، فنام نومة فاستيقظ وعند رأسه امرأة قاعدة خلقها الله من ضلعه فسألها : ما أنت ؟ قالت : امرأة قال : ولم خلقت ؟ قالت : لتسكن إلي فقالت له الملائكة ينظرون ما بلغ من علمه : ما اسمها يا آدم ؟ قال : حواء ، قالوا : ولم كانت حواء ؟ قال : لأنها خلقت من شيء حي


وذكر محمد بن إسحاق ، عن ابن عباس : أنها خلقت من ضلعه الأقصر الأيسر وهو نائم ولأم مكانه لحماً


ومصداق هذا في قوله تعالى : " يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء " الآية وفي قوله تعالى : " هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به " الآية ، وسنتكلم عليها فيما بعد إن شاء الله تعالى


وفي الصحيحين من حديث زائدة ، عن ميسرة الأشجعي عن أبي حازم ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " استوصوا بالنساء خيراً ، فإن المرأة خلقت من ضلع ، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه ، فإن ذهب تقيمه كسرته ، وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء خيراً " هذا لفظ البخاري


وقد اختلف المفسرون في قوله تعالى : " ولا تقربا هذه الشجرة " فقيل : هي الكرم ، وروى عن ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، والشعبي وجعدة بن هبيرة ، ومحمد بن قيس ، والسدي في رواية عن ابن عباس ، وابن مسعود ، وناس من الصحابة ، قال : وتزعم يهود أنها الحنطة ، وهذا مروى عن ابن عباس والحسن والبصري ، ووهب بن منبه ، وعيطة العوفي ، وأبي مالك ، ومحارب بن دثار ، وعبدالرحمن بن أبي ليلى


وقال وهب : والحبة منه ألين من الزبد وأحلى من العسل


وقال الثوري عن أبي حصين ، عن أبي مالك : " ولا تقربا هذه الشجرة " هي النخلة وقال ابن جريج عن مجاهد : هي التينة ، وبه قال قتادة ، وابن جريج ، وقال أبو العالية : كانت شجرة من أكل منها أحدث ولا ينبغي في الجنة حدث


وهذا الخلاف قريب ، وقد أبهم الله ذكرها وتعيينها ، ولو كان في ذكرها مصلحة تعود إلينا لعينها لنا ، كما في غيرها من المحال التي تبهم في القرآن


وإنما الخلاف الذي ذكروه في أن هذه الجنة التي أدخلها آدم : هل هي في السماء أو في الأرض ، هو الخلاف الذي ينبغي فصله والخروج منه


والجمهور على أنها هي التي في السماء ، وهي جنة المأوى ، لظاهر الآيات والأحاديث كقوله تعالى : " وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة " والألف واللام ليست للعموم ولا لمعهود لفظي ، وإنما تعود على معهد ذهني ، وهو مستقر شرعاً من جنة المأوي وكقوله موسى عليه السلام لآدم عليه السلام : " علام أخرجتنا ونفسك من الجنة " ؟ الحديث كما سيأتي الكلام عليه


وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي مالك الأشجعي - اسمه سعد بن طارق - عن أبي حازم سلمة بن دينار ، عن أبي هريرة ، وأبو مالك عن ربعي ، عن حذيفة قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يجمع الله الناس فيقوم المؤمنون حين تزلف لهم الجنة فيأتون آدم فيقولون : يا أبانا استفتح لنا الجنة ، فيقول : وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم " ؟ وذكر الحديث بطوله


هذا فيه قوة جيدة ظاهرة في الدلالة على أنها جنة المأوى ، وليس تخلو عن نظر


وقال آخرون : بل الجنة التي أسكنها آدم لم تكن جنة الخلد ، لأنه كلف فيها ألا يأكل من تلك الشجرة ، ولأنه نام فيها وأخرج منها ودخل عليه إبليس فيها ، وهذا مما ينافي أن تكون جنة المأوى


وهذا القول محكي عن أبي بن كعب ، وعبد الله بن عباس ، ووهب بن منبه ، وسفيان بن عيينة ، واختاره ابن قتيبة في ( المعارف ) والقاضي بن منذر بن سعيد البلوطي في تفسيره ، وأفرد له مصنفاً على حدة ، وحكاه عن أبي حنيفة الإمام وأصحابه رحمهم الله ، ونقله أبو عبد الله محمد ابن عمر الرازي بن خطيب الري في تفسيره عن أبي القاسم البلخي ، وأبي مسلم الأصبهاني ، ونقله القرطبي في تفسيره عن المعتزلة والقدرية


وهذا القول هو نص التوراة التي بأيدي أهل الكتاب وممن حكى الخلاف في هذه المسألة أبو محمد بن حزم في ( الملل والنحل ) وأبو محمد بن عطية في تفسيره وأبو عيسى في الرماني في تفسيره ، وحكى عن الجمهور الأول ، وأبو القاسم الراغب ، والقاضي الماوردي في تفسيره فقال : واختلف في الجنة التي أسكناها - يعني آدم وحواء - على قولين : أحدهما : أنها جنة الجلد والثاني : أنها جنة أعدها الله لهما وجعلها دار إبتلاء ، وليست جنة الخلد التي جعلها دار جزاء


ومن قال بهذا اختلفوا على قولين : أحدهما : أنها في السماء لأنه أهبطهما منها ، وهذا قول الحسن ، والثاني أنها في الأرض لأنه امتحنهما فيها بالنهي عن الشجرة التي نهيا عنها دون غيرها من الثمار ، وهذا قول ابن يحيى ، وكان ذلك بعد أن أمر إبليس بالسجود لآدم والله أعلم بالصواب من ذلك


هذا كلامه فقد تضمن كلامه حكاية أقوال ثلاثة ، وأشعر كلامه أنه متوقف في المسألة ولهذا حكى أبو عبد الله الرازي في تفسيره في هذه المسألة أربعة أقوال : هذه الثلاثة التي أوردها المارودي ، ورابعها : الوقف وحكى القول بأنها في السماء وليست جنة المأوي ، عن أبي علي الجبائي


وقد أورد أصحاب القول الثاني سؤالاً يحتاج مثله إلى جواب ، فقالوا : لا شك أن الله سبحانه وتعالى طرد إبليس حين امتنع من السجود عن الحضرة الإلهية ، وأمره بالخروج عنها والهبوط منها وهذا الأمر ليس من الأوامر الشرعية بحيث يمكن مخالفته ، وإنما هو أمر قدري لا يخالف ولا يمانع ، ولهذا قال : " اخرج منها مذؤوما مدحورا " وقال : " اهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها " وقال " اخرج منها فإنك رجيم " والضمير عائد إلى الجنة أو السماء أو المنزلة ، وأياً ما كان فمعلوم أنه ليس له الكون قدراً في المكان الذي طرد منه وأبعد منه ، لا على سبيل الإستقرار ولا على سبيل المرور والإجتياز


قالوا : ومعلوم من ظاهر سياقات القرآن أنه وسوس لآدم وخاطبه بقوله له : " هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى " وبقوله : " ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين * وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين * فدلاهما بغرور " الآية


وهذا ظاهر في اجتماعه معهما في جنتهما


وقد اجيبوا عن هذا بأنه لا يمتنع أن يجتمع بهما في الجنة على سبيل المرور فيها ، لا على سبيل الإستقرار بها ، وأنه وسوس لهما وهو على باب الجنة أو من تحت السماء وفي الثلاثة نظر والله أعلم


ومما احتج به أصحاب هذه المقالة : ما رواه عبد الله بن الإمام أحمد في الزيادات ، عن هدبة ابن خالد ، عن حماد بن سلمة ، عن حميد ، عن الحسن البصري ، عين يحيى بن ضمرة السعدي ، عن أبي بن كعب ، قال : إن آدم لما احتضر اشتهى قطفاً من عنب الجنة ، فانطلق بنوه ليطلبوه له ، فلقيتهم الملائكة فقالوا : أين تريدون يا بني آدم ؟ فقالوا : إن أبانا اشتهى قطفاً من عنب الجنة فقالوا لهم : ارجعوا فقد كفيتموه فانتهوا إليه فقبضت روحه وغسلوه وحنطوه وكفنوه وصلى عليه جبريل ومن خلفه الملائكة ودفنوه ، وقالوا : هذه سنتكم في موتاكم


وسيأتي الحديث بسنده ، وتمام لفظه عند ذكر وفاء آدم عليه السلام


قالوا : فلولا أنه كان الوصول إلى الجنة التي كان فيها آدم التي اشتهى منها القطف ممكناً ، لما ذهبوا يطلبون ذلك ، فدل على أنها في الأرض لا في السماء والله تعالى أعلم


قالوا : والإحتجاج بأن الألف واللام في قوله : " ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة " لم يتقدم عهد يعود عليه فهو المعهود الذهني مسلم ، ولكن هو ما دل عليه سياق الكلام ، فإن آدم خلق من الأرض ولم ينقل أنه رفع إلى السماء ، وخلق ليكون في الأرض ، وبهذا أعلم الرب الملائكة حيث قال : " إني جاعل في الأرض خليفة "


قالوا : وهذا كقوله تعالى : " إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة " فالألف واللام ليس للعموم ، ولم يتقدم معهود لفظي ، وإنما هو للمعهود الذهني الذي دل عليه السياق وهو البستان


قالوا : وذكر الهبوط لا يدل على النزول من السماء ، قال الله تعالى : " قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك " وإنما كان في السفينة حتى استقرت على الجودي ونضب الماء على وجه الأرض أمر أن يهبط إليه هو ومن معه مباركاً عليه وعليهم


وقال الله تعالى : " اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم " الآية وقال تعالى : " وإن منها لما يهبط من خشية الله " الآية وفي الأحاديث واللغة من هذا كثير


قالوا : ولا مانع - بل هو الواقع - أن الجنة التي أسكنها آدم كانت مرتفعة عن سائر بقاع الأرض ، ذات أشجار وثمار وظلال ونعيم ونضرة وسرور ، كما قال تعالى : " إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى " أي لا يذل باطنك بالجوع ولا ظاهرك بالعري " وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى " أي لا يمس باطنك حر الظمأ ولا ظاهرك حر الشمس ، ولهذا قرن هذا وهذا ، وبين هذا وهذا ، لما بينهما من الملاءمة


فلما كان منه ما كان من أكله من الشجر التي نهي عنها ، أهبط إلى أرض الشقاء والتعب ، والنصب والكدر ، والسعي والنكد ، والإبتلاء والإختبار والإمتحان ، واختلاف السكان ديناً وأخلاقاً وأعمالاً ، وقصوداً وإرادات وأقولاً وأفعالاً ، كما قال تعالى : " ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين "


ولا يلزم من هذا أنهم كانوا في السماء كما قال : " وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا " ، ومعلوم أنهم كانوا فيها ولم يكونوا في السماء


قالوا : وليس هذا القول مفرعاً على قول من ينكر وجود الجنة والنار اليوم ، ولا تلازم بينهما ، فكل من حكى عنه هذا القول من السلف وأكثر الخلف ، ممن يثبت وجود الجنة والنار اليوم ، كما دلت عليه الآيات والأحاديث الصحاح والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب





رد مع اقتباس
قديم 08-23-2010, 06:07 AM   #2
فريق المتابعة والتنظيم


الصورة الرمزية رمسيس
رمسيس متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 882
 تاريخ التسجيل :  Apr 2009
 أخر زيارة : 06-27-2024 (12:40 PM)
 المشاركات : 3,500 [ + ]
 التقييم :  309
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Sienna
 

افتراضي




ما ورد في نزول آدم عليه السلام إلى الأرض

وقوله تعالى : " فأزلهما الشيطان عنها " أي عن الجنة " فأخرجهما مما كانا فيه " أي من النعيم والنضرة والسرور ، إلى دار التعب والكد والنكد ، وذلك بما وسوس لهما وزينة في صدورهما ، كما قال تعالى : " فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما وري عنهما من سوآتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين " يقول : ما نهاكما عن أكل هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين ، أي لو أكلتما منها لصرتما كذلك .

" وقاسمهما " أي حلف لهما على ذلك " إني لكما لمن الناصحين " كما قال في الآية الآخرى : " فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى " أي هل أدلك على الشجرة التي إذا أكلت منها حصل لك الخلد فيما أنت فيه من النعيم واستمررت في ملك لا يبيد ولا ينقضي ؟ وهذا من التغرير والتزوير والإخبار بخلاف الواقع .

والمقصود أن قوله : شجرة الخلد التي إذا أكل منها خلدت ، وقد تكون هي الشجرة التي قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا شعبة ، عن أبي الضحاك ، سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها : شجرة الخلد "

وكذا رواه أيضاً عن غندور وحجاج ، عن شعبة ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة أيضاً به .

قال غندر : قلت لشعبة : هي شجرة الخلد ؟ قال : ليس فيها هي . تفرد به أحمد .

وقوله : " فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة " كما قال في طه : " فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة " وكانت حواء أكلت من الشجرة قبل آدم ، وهي التي حثته على أكلها . . والله أعلم .

وعليه يحمل الحديث الذي رواه البخاري : حدثنا بشر بن محمد ، حدثنا عبد الله ، أنبأنا معمر ، عن همام بن منبه ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه : " لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم ، ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها " .

تفرد به من هذا الوجه ، وأخرجاه في الصحيحين من حديث عبد الرزاق ، عن معمر ، عن همام ، عن أبي هريرة به ، ورواه أحمد و مسلم عن هارون بن معروف ، عن أبي وهب ، عن عمرو بن الحارث عن أبي يونس ، عن أبي هريرة به .

وفي كتاب التوراة التي بأيدي أهل الكتاب : أن الذي دل حواء على الأكل من الشجرة هي الحية ، وكانت من أحسن الأشكال وأعظمها ، فأكلت حواء عن قولها ، وأطعمت آدم عليه السلام ، وليس فيها ذكر لإبليس . فعند ذلك انفتحت أعينها وعلما أنهما عريانان ، فوصلا من ورق التين وعملا مآزر ، وفيها أنهما كانا عريانين . كذا قال وهب ابن منبه : وكان لباسهما نوراً على فرجه وفرجها .

وهذا الذي في هذه التوراة التي بأيديهم غلط منهم ، وتحريف وخطأ في التعريب ، فإن نقل الكلام من لغة إلى لغة لا يتيسر لكل أحد ، ولا سيما ممن لا يكاد يعرف كلام العرب جيداً ، ولا يحيط علماً بفهم كتابه أيضاً ، فلهذا وقع في تعريبهم لها خطأ كثير لفظاً ومعنى . وقد دل القرآن العظيم على أنه كان عليهما لباس في قوله : " ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما " فهذا لا يرد لغيره من الكلام . . والله تعالى أعلم .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا على بن الحسن بن أسكاب ، حدثنا علي بن عاصم ، عن سعيد ابن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله خلق آدم رجلاً طوالاً كثير شعر الرأس كأنه نخلة سحوق ، فلما ذاق الشجرة سقط عنه لباسه ، فأول ما بدا منه عورته ، فلما نظر إلى عورته جعل يشتد في الجنة . فأخذت شعره شجرة فنازعها . فناداه الرحمن عز وجل : يا آدم . . مني تفر ؟ فلما سمع كلام الرحمن قال : يارب . . لا ، ولكن استحياء " .

وقال الثوري عن ابن أبي ليلى ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : " وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة " ورق التين .

وهذا إسناد صحيح إليه ، وكأنه مأخوذ من أهل الكتاب ، وظاهر الآية يقتضي أعم من ذلك ، وبتقدير تسليمه فلا يضر . . والله تعالى أعلم .

وروى الحافظ ابن عساكر من طريق محمد بن إسحاق ، عن الحسن بن ذكوان ، عن الحسن البصري ، عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أباكم آدم كان كالنخلة السحوق ، ستون ذراعاً كثير الشعر مواري العورة ، فلما أصاب الخطيئة في الجنة بدت له سوأته ، فخرج من الجنة ، فلقيته شجرة فأخذت بناصيته ، فناداه ربه : أفراراً مني يا آدم ؟ قال : بل حياء منك يا رب مما جئت به " .

ثم رواه من طريق سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن يحيى بن ضمرة ، عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه .

وهذا أصح ، فإن الحسن لم يدرك أبياً .

ثم أورده أيضاً من طريق خيثمة بن سليمان الأطرابلسي ، عن محمد بن عبد الوهاب أبي مرصافة العسقلاني ، عن آدم بن أبي إياس ، عن سنان ، عن قتادة بن أنس مرفوعاً بنحوه .

" وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين * قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين " .

وهذا اعتراف ورجوع إلى الإنابة ، وتذلل وخضوع وإستكانة ، وافتقار إليه تعالى في الساعة الراهنة ، وهذا السر ما سرى في أحد من ذريته إلا كانت عاقبته إلى خير في دنياه وأخراه .

" قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين " وهذا خطاب لآدم وحواء وإبليس ، قيل والحية معهم ، أمروا أن يهبطوا من الجنة في حال كونهم متعادين متحاربين .

وقد يستشهد لذكر الحية معهما بما ثبت في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر بقتل الحيات ، وقال : " ما سالمناهن منذ حاربناهن " .

وقوله في سورة طه : " قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو " هو أمر لآدم وإبليس ، واستتبع آدم حواء وإبليس الحية .

وقيل هو أمر لهم بصيغة التثنية كما في قوله تعالى : " وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين " .

والصحيح أن هذا لما كان الحاكم لا يحكم إلا بين اثنين مدع ومدعى عليه ، قال : " وكنا لحكمهم شاهدين " .

وأما تكريره الإهباط في سورة البقرة في قوله : " وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين * فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم * قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون * والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " فقال بعض المفسرين : المراد بالإهباط الأول : الهبوط من الجنة إلى السماء الدنيا وبالثاني : من السماء الدنيا إلى الأرض .

وهذا ضعيف لقوله في الأول : " وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين " فدل على أنهم أهبطوا إلى الأرض بالإهباط الأول . . والله أعلم .

والصحيح أنه كرره لفظاً وإن كان واحداً ، وناط مع كل مرة حكماً ، فناط بالأول عداوتهم فيما بينهم ، وبالثاني الإشتراط عليهم أن من تبع هداه الذي ينزله عليهم بعد ذلك فهو السعيد ، ومن خالفه فهو الشقي ، وهذا الأسلوب في الكلام له نظائر في القرآن الحكيم .

وروى الحافظ ابن عسكر عن مجاهد قال : أمر الله ملكين أن يخرجا آدم وحواء من جوازه . فنزع جبريل التاج عن رأسه ، وحل ميكائيل الإكليل عن جبينه ، وتعلق به غصن ، فظن آدم أنه قد عوجل بالعقوبة ، فنكس رأسه يقول : العفو العفو . فقال الله : أفراراً مني ؟ قال : بل حياء منك يا سيدي !

وقال الأوزاعي عن حسان - وهو ابن عطية - : مكث آدم في الجنة مائة عام ، وفي رواية : ستين عاماً ، وبكى على الجنة سبعين عاماً ، وعلى خطيئته سبعين عاماً ، وعلى ولده حين قتل أربعين عاماً . رواه ابن عساكر .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير ، عن سعيد ، عن ابن عباس قال : أهبط آدم عليه السلام إلى أرض يقال لها ( دحنا ) بين مكة والطائف .

وعن الحسن قال : أهبط آدم بالهند ، وحواء بجدة ، وإبليس بدستميان من البصرة على أميال ، وأهبطت الحية بأصبهان . رواه ابن أبي حاتم أيضاً .

وقال السدي : نزل آدم بالهند ، ونزل معه بالحجر الأسود وبقبضة من ورق الجنة ، فبثه في الهند فنبتت شجرة الطيب هناك .

وعن ابن عمر : أهبط آدم بالصفا ، وحواء بالمروة ، رواه ابن أبي حاتم أيضاً .

وقال عبد الرزاق : قال معمر : أخبرني عوف ، عن قسامة بن زهير ، عن أبي موسى الأشعري ، قال : إن الله حين أهبط آدم من الجنة إلى الأرض علمه صنعة كل شيء وزوده من ثمار الجنة ، فثماركم هذه من ثمار الجنة ، غير أن هذه تتغير وتلك لا تتغيروقال الحاكم في مستدركه : أنبأنا أبو بكر بن بالويه ، عن محمد بن أحمد بن النضر ، عن معاوية بن عمرو ، عن زائدة ، عن عمار بن أبي معاوية البجلي عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : ما أسكن آدم الجنة إلا ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس ، ثم قال : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه .

وفي صحيح مسلم من حديث الزهري عن الأعرض ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة : فيه خلق آدم ، وفيه أدخل الجنة ، وفيه أخرج منها " وفي الصحيح من وجه أخر : " وفيه تقوم الساعة " .

وقال أحمد : حدثنا محمد بن مصعب ، حدثنا الأوزاعي ، عن أبي عمار ، عن عبد الله بن فروخ ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة ، فيه خلق آدم ، وفيه أدخل الجنة ، وفيه أخرج منها ، وفيه تقوم الساعة " على شرط مسلم .

فأما الحديث الذي رواه ابن عساكر من طريق أبي القاسم البغوي : حدثنا محمد بن جعفر الوركاني ، حدثنا سعيد بن ميسرة ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هبط آدم وحواء عريانين جميعاً ، عليهما ورق الجنة ، فأصابه الحر حتى قعد يبكي ويقول لها : يا حواء . . قد آذاني الحر ، قال : فجاء جبريل بقطن ، وأمرها أن تغزل وعلمها ، وأمر آدم بالحياكة وعلمه أن ينسج " وقال : " كان آدم لم يجامع امرأته في الجنة ، حتى هبط منها للخطيئة التي أصابتها بأكلها من الشجرة " ، قال : " وكان كل واحد منهما ينام على حدة ، وينام أحدهما في البطحاء والآخر من ناحية آخرى ، حتى أتاه جبريل فأمره أن يأتي أهله " ، قال : "وعلمه كيف يأتيها فلما أتاها جاءه جبريل فقال : كيف وجدت امرأتك ؟ قال : صالحة " .

فإنه حديث غريب ورفعه منكر جداً ، وقد يكون من كلام بعض السلف ، وسعيد بن ميسرة هذا هو : أبو عمران البكري البصري قال فيه البخاري : منكر الحديث ، وقال ابن حبان : يروي الموضوعات ، وقال ابن عدي : مظلم الأمر .

وقوله : " فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم " قيل هي قوله : " ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين " روى هذا عن مجاهد ، وسعيد بن جبير ، وأبي العالية ، والربيع بن أنس ، والحسن ، وقتادة ، ومحمد بن كعب ، وخالد بن معدان ، وعطاء الخرساني وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسن بن أسكاب ، حدثنا علي بن عاصم ، عن سعيد ابن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن أبي كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال آدم عليه السلام : أرأيت يا رب إن تبت ورجعت أعائدي إلى الجنة ؟ قال : نعم " فذلك قوله : " فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه " .

وهذا غريب من هذا الوجه وفيه انقطاع .

وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : الكلمات : " اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك ، رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنك خير الراحمين . اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك ، رب إني ظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم " .

وروى الحاكم في مستدركه من طريق سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : " فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه " قال : قال آدم : يا رب . . أمل تخلقني بيدك ؟ قيل له : بلى ونفخت في من روحك ؟ قيل له : بلى . وعطست فقلت يرحمك الله ، وسبقت رحمتك غضبك ؟ قيل له : بلى . وكتبت علي أن أعمل هذا ؟ قيل له : بلى ، قال : أفرأيت إن تبت هل أنت راجعي إلى الجنة ؟ قال : نعم .

ثم قال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه .

وروى الحاكم أيضاً و البيهقي وابن عساكر من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه عن جده عن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لما اقترف آدم الخطيئة قال : يا رب . . أسألك بحق محمد إلا غفرت لي " .

فقال الله : فكيف عرفت محمد ولم أخلقه بعد ؟

فقال : يا رب . . لأنك لما خلقتني بيدك ، ونفخت في من روحك ، رفعت رأسي ، فرأيت على قوائم العرش مكتوباً : لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك .

فقال الله : صدقت يا آدم ، إنه لأحب الخلق إلي ، وإذا سألتني بحقه فقد غفرت لك ، ولولا محمد ما خلقتك .

قال البيهقي : تفرد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم من هذا الوجه وهو ضعيف . . والله أعلم .

وهذه الآية كقوله تعالى : " وعصى آدم ربه فغوى * ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى "




 

رد مع اقتباس
قديم 08-23-2010, 06:16 AM   #3
فريق المتابعة والتنظيم


الصورة الرمزية رمسيس
رمسيس متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 882
 تاريخ التسجيل :  Apr 2009
 أخر زيارة : 06-27-2024 (12:40 PM)
 المشاركات : 3,500 [ + ]
 التقييم :  309
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Sienna
 

افتراضي



ذكر احتجاج آدم وموسى عليهما السلام
قال البخاري : حدثنا قتيبة ، حدثنا أيوب بن النجار ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " حاج موسى آدم عليهما السلام فقال له : أنت الذي أخرجت الناس بذنبك من الجنة وأشقيتهم .
قال آدم : يا موسى . . أنت الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه ، أتلومني على أمر قد كتبه الله علي قبل أن يخلقني " .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فحج آدم موسى " .
وقد رواه مسلم بن عمرو الناقد ، و النسائي عن محمد بن عبد الله بن يزيد ، عن أيوب بن النجار به قال أبو مسعود الدمشقي : ولم يخرجا عنه في الصحيحين سواه وقد رواه أحمد ، عن عبد الرزاق عن معمر ، عن همام ، عن أبي هريرة ، ورواه مسلم عن محمد بن رافع ، عن عبد الرزاق به .
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو كامل ، حدثنا إبراهيم ، حدثنا أبو شهاب عن حميد بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " احتج آدم وموسى ، فقال له موسى : أنت آدم أخرجتك خطيئتك من الجنة ؟
فقال له آدم : وأنت موسى الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه ، تلومني على أمر قدر علي قبل أن أخلق ؟ " .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فحج آدم موسى " مرتين .
قلت : وقد روى هذا الحديث البخاري و مسلم من حديث الزهري ، عن حميد بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه .
وقال الإمام أحمد : حدثنا معاوية بن عمرو ، حدثنا زائدة ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " احتج آدم وموسى ، فقال موسى : يا آدم . . أنت الذي خلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه ، أغويت الناس وأخرجتهم من الجنة " .
قال : " فقال : آدم : وأنت موسى الذي اصطفاك الله بكلامه تلومني على عمل أعمله ، كتبه الله علي قبل أن يخلق السموات والأرض ؟ قال : فحج آدم موسى " .
وقد رواه الترمذي و النسائي جميعاً عن يحيى بن حبيب بن عدي ، عن معمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن الأعمش به .
قال الترمذي : وهو غريب من حديث سليمان التيمي عن الأعمش .
قال : وقد رواه بعضهم عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد .
قلت : هكذا رواه الحافظ أبو بكر البزار في مسنده ، عن محمد بن مثنى ، عن معاذ بن أسد ، عن الفضل بن موسى ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد .
ورواه البزار أيضاً : حدثنا عمرو بن علي الفلاس ، حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، أو أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه .
وقال أحمد : حدثنا سفيان ، عن عمرو سمع طاووساً ، سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " احتج آدم وموسى ، فقال موسى : يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة .
قال له آدم : يا موسى . . أنت الذي اصطفاك الله بكلامه - وقال مرة : برسالته - وخط لك بيده ، أتلومني على أمره قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة ؟ " .
قال : " حج آدم موسى ، حج آدم موسى ، حج آدم موسى " .
وهكذا رواه البخاري عن علي بن المديني ، عن سفيان ، قال : حفظناه من عمرو عن طاووس ، قال : سمعت أبا هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " احتج آدم وموسى ، فقال موسى يا آدم . . أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة .
فقال له آدم : يا موسى . . اصطفاك الله بكلامه وخط لك بيده ، أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة ؟
فحج آدم موسى ، فحج آدم موسى ، فحج آدم موسى " هكذا ثلاثاً .
قال سفيان : حدثنا أبو الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله .
وقد رواه الجماعة إلا ابن ماجه عن عشر طرق ، عن سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عبد الله بن طاووس . عن أبيه عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه .
وقال أحمد : حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا حماد ، عن عمار ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لقي آدم موسى ، فقال : أنت آدم الذي خلقك الله بيده ، وأسجد لك ملائكته ، وأسكنك الجنة ، ثم فعلت ما فعلت ؟
فقال : أنت موسى الذي كلمك الله واصطفاك برسالته ، وأنزل عليك التوراة ، أنا أقدم أم الذكر ؟ قال : لا ، بل الذكر . فحج آدم موسى " .
قال أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا حماد ، عن عمار بن أبي عمار ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وحميد عن الحسن عن رجل - قال حماد : أظنه جندب بن عبد الله البجلي - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لقي آدم موسى " فذكر معناه ، وتفرد به أحمد من هذا الوجه .
وقال أحمد : حدثنا حسين ، حدثنا جرير - هو ابن حازم - عن محمد - هو ابن سيرين - عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لقي آدم موسى فقال : أنت آدم الذي خلقك الله بيده وأسكنك جنته ، وأسجد لك ملائكته ، ثم صنعت ما صنعت ؟
قال آدم لموسى : أنت الذي كلمه الله ، وأنزل عليه التوراة ؟ قال : نعم ، قال : فهل تجده مكتوباً علي قبل أن أخلق ؟ قال : نعم .
قال : فحج آدم موسى ، فحج آدم موسى " .
وكذا رواه حماد بن زيد ، عن أيوب ، وهشام عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة رفعه . وكذا رواه علي بن عاصم ، عن خالد ، وهشام ، عن محمد بن سيرين ، وهذا علي شرطهما من هذه الوجوه .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا يونس بن عبد الأعلي ، أنبأنا ابن وهب ، أخبرني أنس بن عياض ، عن الحارث بن أبي دياب ، عن يزيد بن هرمز ، سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " احتج آدم وموسى عند ربهما فحج آدم موسى ، قال موسى : أنت الذي خلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملائكته ، وأسكنك جنته ، ثم أهبطت الناس إلى الأرض بخطيئتك ؟
قال آدم : أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وكلامه ، وأعطاك الألواح فيها تبيان كل شيء ، وقربك نجياً ؟ فبكم وجدت الله كتب التوراة ؟ قال موسى : بأربعين عاماً ، قال آدم : فهل وجدت فيها " وعصى آدم ربه فغوى " ؟ قال : نعم قال : أفتلومني على أن عملت عملاً كتب الله علي أن أعمله قبل أن يخلقني بأربعين سنة ؟
قال : قال رسول لله صلى الله عليه وسلم : فحج آدم موسى " .
قال الحارث : وحدثني عبد الرحمن بن هرمز بذلك ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقد رواه مسلم ، عن إسحاق بن موسى الأنصاري ، عن أنس بن عياض ، عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبي رباب ، عن يزيد بن هرمز والأعرج ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه .
وقال أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أنبأنا معمر ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "احتج آدم وموسى ، فقال موسى لآدم : يا آدم . . أنت الذي أدخلت ذريتك النار .
فقال آدم : يا موسى . . اصطفاك الله برسالته وبكلامه ، وأنزل عليك التوراة فهل وجدت أن أهبط ؟ قال : نعم ، قال : فحجه آدم " .
وهذا على شرطهما ولم يخرجاه من هذا الوجه ، وفي قوله : ( أدخلت ذريتك النار ) نكارة .
فهذه طرق الحديث عن أبي هريرة ، رواه عنه حميد وعبد الرحمن ، وذكوان أبو صالح السمان ، وطاووس بن كيسان ، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، وعمار بن أبي عمار ، ومحمد بن سيرين ، وهمام بن منبه ، ويزيد بن هرمز ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن .
وقد رواه الحافظ أبو يعى الموصلي في مسنده من حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : حدثنا الحارث بن مسكين المصري ، حدثنا عبد الله بن وهب ، أخبرني هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه عن عمر بن الخطاب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "قال موسى عليه السلام : يارب : . . أرنا آدم الذي أخرجنا ونفسه من الجنة . فأراه آدم عليه السلام ، فقال : أنت آدم ؟ فقال له آدم : نعم . فقال : أنت الذي نفخ الله فيك من روحه ، وأسجد لك ملائكته ، وعلمك الأسماء كلها ؟ قال : نعم . قال : فما حملك على أن أخرجتنا ونفسك من الجنة ؟
فقال له آدم : من أنت ؟ قال : أنا موسى . قال : أنت موسى نبي بني إسرائيل ؟ أنت الذي كلمك الله من وراء الحجاب ، فلم يجعل بينك وبينه رسولاً من خلقه ؟ قال : نعم . قال : تلومني على أمر قد سبق من الله عز وجل القضاء به قبل ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فحج آدم موسى " .
ورواه أبو داود عن أحمد بن صالح المصري ، عن ابن وهب به .
قال أبو يعلي : حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عبد الملك بن الصباح المسمعي ، حدثنا عمران ، عن الرديني ، عن أبي مجلز عن يحيى بن يعمر ، عن ابن عمر عن عمر - قال أبو محمد أكبر ظني أنه رفعه - قال : " لقي آدم موسى فقال موسى لآدم : أنت أبو البشر ، أسكنك الله جنته ، وأسجد لك ملائكته . قال آدم : يا موسى : أما تجده علي مكتوباً ؟ قال : فحج آدم موسى ، فحج آدم موسى " .
وهذا الإسناد أيضاً لا بأس به . . والله أعلم .
وقد تقدم رواية الفضل بن موسى لهذا الحديث عن الأعمش ، عن أبي صالح عن أبي سعيد ، ورواية الإمام أحمد له عن عفان ، عن حماد بن سلمة عن حميد ، عن الحسن عن رجل . قال حماد . أظنه جندب بن عبد الله البجلي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " لقي آدم موسى " فذكر معناه .
وقد اختلفت مسالك الناس في هذا الحديث :
فرده قوم من القدرية لما تضمن من إثبات القدر السابق .
واحتج به قوم من الجبرية ، وهو ظاهر لهم بادي الرأي حيث قال : " فحج آدم موسى " لما احتج عليه بتقديم كتابه ، وسيأتي الجواب عن هذا .
قال آخرون : إنما حجه لأنه لامه على ذنب قد تاب منه ، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له .
وقيل : إنما حجه لأنه أكبر منه وأقدم . وقيل : لأنه أبوه . وقيل : لأنهما في شريعتين متغايرتين . وقيل : لأنهما في دار البرزخ وقد انقطع التكليف فيما يزعمون .
والتحقيق : أن هذا الحديث روى بألفاظ كثيرة بعضها مروى بالمعنى وفيه نظر .
ومدار معظمها في الصحيحين وغيرهما على أنه لامه على إخراجه نفسه وذريته من الجنة ، فقال له آدم : أنا لم أخرجكم ، وإنما أخرجكم الذي رتب الإخراج علي أكلي من الشجرة ، والذي رتب ذلك وقدره وكتبه قبل أن أخلق ، هو الله عز وجل ، فأنت تلومني على أمر ليس له نسبة إلى أكثر من أني نهيت عن الأكل من الشجرة فأكلت منها ، وكون الإخراج مترتباً على ذلك ليس من فعلي ، فأنا لم أخرجكم ولا نفسي من الجنة ، وإنما كان هذا من قدر الله وصنعه ، وله الحكمة في ذلك . فلهذا حج آدم موسى .
ومن كذب بهذا الحديث فمعاند ، لأنه متواتر عن أبي هريرة رضي الله عنه ، وناهيك به عدالة وحفظاً وإتقاناً .
ثم هو مروى عن غيره من الصحابة كما ذكرنا .
ومن تأويله بتلك التأويلات المذكورة آنفاً ، هو بعيد من اللفظ والمعنى ، وما فيها من هو أقوى مسلكاً من الجبرية .
وفيما قالوه نظر من وجوه :
أحدها : أن موسى عليه السلام لا يلوم على أمر قد تاب عنه فاعله .
الثاني : أنه قد قتل نفساً لم يؤمر بقتلها ، وقد سأل الله في ذلك بقوله : " رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له " .
الثالث : أنه لو كان الجواب عن اللوم على الذنب بالقدر المتقدم كتابته على العبد ، لا نفتح هذا لكل من ليم على أمر قد فعله ، فيحتج بالقدر السابق فينسد باب القصاص والحدود . ولو كان القدر حجة لاحتج به كل أحد على الأمر الذي ارتكبه في الأمور الكبار والصغار ، وهذا يفضي إلى لوزام فظيعة . فلهذا قال من قال من العلماء : بأن جواب آدم إنما كان إحتجاجاً بالقدر على المصيبة لا المعصية .
والله تعالى أعلم .
ذكر الأحاديث الواردة في خلق آدم عليه السلام
قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى ومحمد بن جعفر ، حدثنا عوف ، حدثني قسامة بن زهير ، عن أبي موسى ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض ، فجاء بنو آدم على قدر الأرض ، فجاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك ، والخبيث والطيب ، والسهل والحزن وبين ذلك " .
ورواه أيضاً عن هوذة ، عن عوف ، عن قسامة بن زهير ، سمعت الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض ، فجاء بنو آدم على قدر الأرض ، فجاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك ، والسهل والحزن وبين ذلك ، والخبيث والطيب وبين ذلك " .
وكذا وراه أبو داود و الترمذي و ابن حبان في صحيحه ، من حديث عوف بن أبي جميلة الأعرابي ، عن قسامة بن زهير المازني البصري ، عن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه . قال الترمذي : حسن صحيح .
وقد ذكر السدي ، عن أبي مالك وأبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : فبعث الله عز وجل جبريل في الأرض ليأتيه بطين منها ، فقالت الأرض : أعوذ بالله منك أن تنقص مني أو تشينني ، فرجع ولم يأخذ ، وقال : رب . . إنها عاذت بك فأعذتها .
فبعث ميكائيل فعاذت منه فأعاذها ، فرجع فقال كما قال جبريل . فبعث ملك الموت فعاذت منه ، فقال : وأنا أعوذ بالله أن أرجع ولم أنفذ أمره ، فأخذ من وجه الأرض وخلط ، ولم يأخذ من مكان واحد ، وأخذ من تربة بيضاء وحمراء ، فلذلك خرج بنو آدم مختلفين .
فصعد به فبل التراب حتى عاد طيناً لازباً . واللازب : هو الذي يلزق بعضه ببعض ، ثم قال للملائكة : " إني خالق بشرا من طين * فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين " .
فخلقه الله بيده لئلا يتكبر إبليس عنه ، فخلقه بشراً ، فكان جسداً من طين أربعين سنة من مقدار يوم الجمعة ، فمرت الملائكة ففزعوا منه لما روأه ، وكان أشدهم فزعاً إبليس ، فكان يرم به فيضربه فيصوت الجسد كما يصوت الفخار يكون له صلصة ، فلذلك حين يقول : " من صلصال كالفخار " ويقول : لأمر ما خلقت ، ودخل من فيه وخرج من دبره وقال للملائكة : لا ترهبوا من هذا فإن ربكم صمد وهذا أجوب ، لئن سلطت عليه لأهلكنه .
فلما بلغ الحين الذين يريد الله عز وجل أن ينفخ فيه الروح ، قال للملائكة : إذا نفخت فيه من روحي فاسجدوا له ، فلما نفخ فيه الروح فدخل الروح من رأس عطس ، فقالت الملائكة : قل الحمد لله ، فقال : الحمد لله ، فقال له الله : رحمك ربك ، فلما دخلت الروح في عينه نظر إلى ثمار الجنة ، فلما دخلت الروح في جوفه اشتهى الطعام ، فوثب قبل أن تبلغ الروح إلى رجليه عجلان إلى ثمار الجنة . وذلك حين يقول الله تعالى : " خلق الإنسان من عجل " " فسجد الملائكة كلهم أجمعون * إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين " وذكر تمام القصة .
ولبعض هذا السباق شاهد من الأحاديث ، وإن كان كثير منه متلقى من الإسرائيليات .
فقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد ، حدثنا حماد ، عن ثابت ، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لما خلق الله آدم تركه ما شاء أن يدعه ، فجعل إبليس يطيف به ، فلما رآه أجوف عرف أنه خلق لا يتمالك " .
وقال ابن حبان في صحيحه : حدثنا الحسن بن سفيان ، حدثنا هدبة بن خالد ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لما نفخ في آدم فبلغ الروح رأسه عطس ، فقال : الحمد لله رب العالمين ، فقال له تبارك وتعالى : يرحمك الله" .
وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا يحيى بن محمد بن السكن ، حدثنا حبان بن هلال ، حدثنا مبارك بن فضالة ، عن عبيد الله ، عن حبيب ، عن حفص - وهو ابن عاصم بن عبيد الله بن عمر بن الخطاب - عن أبي هريرة رفعه قال : " لما خلق الله آدم عطس ، فقال : الحمد لله ، فقال له ربه : رحمك بك يا آدم " .
وهذا الإسناد لا بأس به ولم يخرجوه .
وقال عمر بن عبد العزيز : لما أمرت الملائكة بالسجود كان أول من سجد منهم إسرافيل ، فآتاه الله أن كتب القرآن في جبهته . رواه ابن عساكر .
وقال الحافظ أبو يعلي : حدثنا عقبة بن مكرم ، حدثنا عمرو بن محمد ، عن إسماعيل بن رافع المقبري ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله خلق آدم من تراب ، ثم جعله طيناً ثم تركه ، حتى إذا كان حمأً مسنوناً خلقه الله وصوره ، ثم تركه حتى إذا كان صلصالاً كالفخار قال : فكان إبليس يمر به فيقول : لقد خلقت لأمر عظيم .
ثم نفخ الله فيه من روحه فكان أول ما جرى فيه الروح بصره وخياشيمه ، فعطس فلقاه الله رحمة به ، فقال الله : يرحمك ربك ، ثم قال الله : يا آدم . . اذهب إلى هؤلاء النفر فقل لهم ، فانظر ماذا يقولون ؟ فجاء فسلم عليهم فقالوا : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته . فقال : يا آدم . . هذه تحيتك وتحية ذريتك . قال : يا رب . . وما ذريتي ؟ قال : اختر يدي يا آدم ، قال : أختار يمين ربي وكلتا يدي ربي يمين ، فبسط كفه فإذا من هو كائن من ذريته في كف الرحمن ، فإذا رجال منهم أفواهم النور ، وإذا رجل يعجب آدم نوره ، قال : يا رب . . من هذا ؟ قال : ابنك داود ، قال : يا رب . . فكم جعلت له من العمر ؟ قال : جعلت له ستين ، قال : يا رب . . فأتم له من عمري حتى يكون عمره مائة سنة ، ففعل الله ذلك . وأشهد على ذلك .
فلما تقدم عمر آدم بعث الله ملك الموت ، فقال آدم : أولم يبق من عمري أربعون سنة ؟ قال له الملك : أو لم تعطها ابنك داود ؟ فجحد ذلك ، فجحدت ذريته ، ونسى فنسيت ذريته " .
وقد رواه الحافظ أبو بكر البزار و الترمذي و النسائي في ( اليوم والليلة ) من حديث صفوان ابن عيسى ، عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذياب ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم . قال الترمذي : حديث حسن غريب من هذا الوجه وقال النسائي : هذا حديث منكر . وقد رواه محمد بن عجلان ، عن أبيه عن أبي سعيد المقبري ، عن عبد الله بن سلام قوله .
وقوله الترمذي : حدثنا عبد بن حميد ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا هشام بن سعد ، عن زيد ابن أسلم ، عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لما خلق الله آدم مسح ظهره ، فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة ، وجعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصاً من نور ، ثم عرضهم على آدم فقال : أي رب . . من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء ذريتك ، فرأى رجلاً فأعجبه وبيص ما بين عينيه ، فقال : أي رب . . من هذا : قال : هذا رجل من آخر الأمم من ذريتك يقال له داود ، قال : رب . . وكم جعلت عمره ؟ قال : ستين سنة ، قال : أي رب . . زده من عمري أربعين سنة .
فلا انقضى عمر آدم جاء ملك الموت ، قال : أو لم يبق من عمري أربعون سنة ؟ قال : أو لم تعطها ابنك داود ؟ قال : فجحد فجحدت ذريته ، ونسى آدم فنسيت ذريته ، وخطىء آدم فخطئت ذريته " .
ثم قال الترمذي : ححسن صحيح ، وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه الحاكم في مستدركه من حديث أبي نعيم الفضل بن دكين ، وقال : صحيح على شرط مسلم . ولم يخرجاه .
وروي عن أبي حاتم من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي هريرة مرفوعاً فذكره وفيه : " ثم عرضهم على آدم فقال : يا آدم . . هؤلاء ذريتك ، وإذا فيهم الأجذم والأبرص والأعمى وأنواع الأسقام ، فقال آدم : يا رب . . لم فعلت هذا بذريتي ؟ قال : كي تشكر نعمتي " .
ثم ذكر قصة داود . وستأتي من رواية ابن عباس أيضاً .
وقال الإمام أحمد في مسنده : حدثنا الهيثم بن خارجه ، حدثنا أبو الربيع ، عن يونس بن ميسرة ، عن أبي إدريس ، عن أبي الدرداء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خلق الله آدم حين خلقه فضرب كتفه اليمنى ، فأخرج ذريته بيضاء كأنهم الدر ، وضرب كتفه اليسرى فأخرج ذريته سوداء كأنهم الحمم فقال للذي في يمينه : إلى الجنة ولا أبالي ، وقال للذي في كتفه اليسرى إلى النار ولا أبالي " .
وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا خلف بن هشام : حدثنا الحكم بن سنان ، عن حوشب ، عن الحسن قال : خلق الله آدم حين خلقه فأخرج أهل الجنة من صحفته اليمني ، وأخرج أهل النار من صفحته اليسرى ، فألقوا على وجه الأرض ، منهم الأعمى والأصم والمبتلى . فقال آدم : يا رب .. ألا سويت بين ولدي ؟ قال : يا آدم . . إني أردت أن أشكر .
وهكذا روي عبدالرزاق عن معمر ، عن قتادة عن الحسن بنحوه .
وقد رواه أبو حاتم وابن حبان في صحيحه فقال : حدثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة ، حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا صفوان بن عيسى ، حدثنا الحارث بن عبدالرحمن بن أبي ذباب . عن سعبد المقبري ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لما خلق الله آدم ونفخ فيه الروح عطس ، فقال : الحمد لله ، فحمد الله بإذن الله ، فقال له ربه : يرحمك ربك يا آدم ، اذهب إلى أولئك الملائكة - إلى ملأ منهم جلوس - فسلم عليهم ، فقال : السلام عليكم ، فقالوا : وعليكم السلام ورحمة الله . ثم رجع إلى ربه فقال : هذه تحيتك وتحية بنيك بينهم .
وقال الله ويداه مقبوضتان : اختر أيهما شئت ، فقال : اخترت يمين ربي ، وكلتا يدي ربي يمين مباركة . ثم بسطهما فإذا فيهما آدم وذريته ، فقال : أي رب . . ما هؤلاء ؟ قال : هؤلاء ذريتك ، وإذا كل إنسان منهم مكتوب عمره بين عينيه ، وإذا فيهم رجل أضوؤهم - أو من أضوئهم - لم يكتب له إلا أربعون سنة ، قال : يا رب . . من هذا ؟ قال : هذا ابنك داود . وقد كتب الله عمره أربعين سنة . قال : أي رب . . زد في عمره ، فقال : ذاك الذي كتب له ، قال : فإني قد جعلت له من عمري ستين سنة ، قال : أنت وذاك . اسكن الجنة .
فسكن الجنة ما شاء الله ثم هبط منها ، وكان آدم يعد لنفسه ، فأتاه ملك الموت فقال له آدم : قد عجلت ، وقد كتب لي ألف سنة . قال : بلى ، ولكنك جعلت لابنك داود منها ستين سنة ، فجحد آدم فجحدت ذريته ، ونسى فنسيت ذريته ، فيومئذ أمر بالكتاب والشهود " هذا لفظه .
وقد قال البخاري : حدثنا عبدالله بن محمد ، حدثنا عبدالرزاق ، عن معمر ، عن همام بن منبه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خلق الله آدم وطوله ستون ذراعاً ، ثم قال : اذهب فسلم على أولئك النفر من الملائكة فاستمع ما يجيبونك ، فإنها تحيتك وتحية ذريتك ، فقال : السلام عليكم ، فقالوا : السلام عليك ورحمة الله فزاده ورحمة الله . فكل من يدخل الجنة على صورة آدم ، فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن " .
وهكذا رواه البخاري في كتاب الاستئذان ، عن يحيى بن جعفر ، ومسلم ، عن محمد بن رافع ، كلاهما عن عبدالرزاق به .
وقال الإمام أحمد : حدثنا روح ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كان طول آدم ستين ذراعاً في سبع أذرع عرضاً " انفرد به أحمد .
وقال الإمام أحمد ، حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس قال : لما نزلت آية الدين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أول من جحد آدم ، إن أول من جحد آدم ، إن أول من جحد آدم . إن الله لما خلق آدم مسح ظهره ، فأخرج منه ما هو ذارىء إلى يوم القيامة ، فجعل يعرض ذريته عليه ، فرآى فيهم رجلاً يزهر ، قال : أي رب . . من هذا ؟ قال : هذا ابنك داود ، قال : أي رب . . كم عمره . قال ستون عاماً ، قال : أي رب . . زد في عمره . قال : لا ، إلا أن أزيده من عمرك ، وكان عمر آدم ألف عام فزاده أربعين عاماً . فكتب الله عليه بذلك كتاباً وأشهد عليه الملائكة .
فلما احتضر آدم أتته الملائكة لقبضه ، قال : إنه قد بقي من عمري أربعون عاماً ، فقيل له : إنه قد وهبتها لابنك داود ، قال : ما فعلت ، وأبرز الله عليه الكتاب وشهدت عليه الملائكة" .
وقال أحمد : حدثنا أسود بن عامر ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن يوسف ابن مهران ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن من جحد آدم - قالها ثلاث مرات - كإن الله عز وجل لما خلقه مسح ظهره فأخرج ذريته فعرضهم عليه ، فرأى فيهم رجلاً يزهر ، فقال : أي رب . . زد في عمره . قال : لا ، إلا أن تزيده أنت من عمرك ، فزاده أربعين سنة من عمره . فكتب الله عليه كتاباً وأشهد عليه الملائكة .
فلما أراد أن يقبض روحه قال : إنه بقي من أجلي أربعون سنة ، فقيل له : إنك قد جعلتها لابنك داود . قال : فجحد ، قال : فأخرج الله الكتاب ، وأقام عليه البينة ، فأتمها لداود مائة سنة ، وأتم لآدم عمره ألف سنة ". تفرد به أحمد وعلي بن زيد في حديثه نكارة .
وروى الطبراني عن علي بن عبد العزيز ، عن حجاج بن منهال ، عن حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس وغير واحد . عن الحسن قال : لما نزلت آية الدين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أول من جحد آدم - ثلاثاً - " وذكره .
وقال الإمام مالك بن أنس في موطئه عن زيد أبي أنيسة ، أن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب ، أخبره عن مسلم بن يسار الجهني أن عمر بن الخطاب سئل عن هذه الآية : " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى " الآية ، فقال ابن الخطاب : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عنها فقال : " إن الله خلق آدم عليه السلام ، ثم مسح ظهره بيمينه فاسخرج منه ذرتيه . قال : خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون . ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية قال : خلقت هؤلاء للنار ، وبعمل أهل النار يعملون " فقال رجل : يا رسول الله . . ففيم العمل ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا خلق الله العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة ، حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخل به الجنة . وإذا خلق الله العبد للنار ، استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل أهل النار فيدخل به النار " .
وهكذا رواه الإمام أحمد ، و أبو داود ، و الترمذي ، و النسائي ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو حاتم و ابن حبان في صحيحه من طرق ، عن الإمام مالك به .
وقال الترمذي : هذا حديث حسن ، ومسلم بن يسار لم يسمع عمر ، وكذا قال أبو حاتم وأبو زرعة ، زاد أبو حاتم : وبينهما نعيم بن ربيعة .
وقدر رواه أبو داود عن محمد بن مصفى ، عن بقية ، عن عمر بن جثعم ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب ، عن مسلم بن يسار ، عن نعيم بن ربيعة ، قال : كنت عند عمر بن الخطاب وقد سئل عن هذه الآية فذكر الحديث .
قال الحافظ الدارقطني : وقد تابع عمر بن جعثم أبو فروة بن يزيد بن سنان الرهاوي ، عن زيد بن أبي أنيسة قال : وقولهما أولي بالصواب من قول مالك رحمه الله .
وهذه الأحاديث كلها دالة على استخراجه تعالى ذرية آدم من ظهره كالذر وقسمتهم قسمين : أهل اليمين وأهل الشمال ، وقال : " هؤلاء للجنة ولا أبالي ، وهؤلاء للنار ولا أبالي " .
فأما الإشهاد عليهم واستنطاقهم بالإقرار بالواحدانية ، فلم يجيء في الأحاديث الثابتة ، وتفسير الآية التي في سورة الأعراف وحملها على هذا فيه نظر كما بيناه هناك وذكرنا الأحاديث والآثار مستقصاة بأسانيدها وألفاظ متونها ، فمن أراد تحريره فليراجعه ثم . . والله أعلم .
فأما الحديث الذي رواه أحمد : حدثنا حسين بن محمد ، وحدثنا جرير - يعني ابن حازم - عن كلثوم بن جبر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم عليه السلام بنعمان يوم عرفة ، فأخرج من صلبه كل ذريته ذرأها فنثرها بين يديه ثم كلمهم قبلاً قال : " ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين * أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون " ".
فهو بإسناد جيد قوي على شرط مسلم ، رواه النسائي وابن جرير و الحاكم في مستدركه من حديث حسين بن محمد المروزي به . وقال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، إلا أنه اختلف فيه على كلثوم بن جبر ، فروي عنه مرفوعاً وموقوفاً ، وكذا روي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفاً ، وهكذا رواه العوفي والوالبي والضحاك وأبو حمزة . عن ابن عباس قوله ، وهذا أكثر وأثبت . . والله أعلم .
وهكذا روي عن عبد الله بن عمر موقوفاً ومرفوعاً والموقوف أصح .
واستأنس القائلون بهذا القول - وهو أخذ الميثاق على الذرية وهم الجمهور - بما قال الإمام أحمد : حدثنا حجاج ، حدثني شعبة ، عن أبي عمران الجوني ، عن أنس بن مالك ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة : لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مقتدياً به ؟ قال : فيقول : نعم . فيقول : قد أردت منك ما هو أهو من ذلك ، قد أخذت عليك في ظهر آدم ألا تشرك بي شيئاً ، فأبيت إلا أن تشرك بي " . أخرجاه من حديث شعبة به .
وقال أبو جعفر الرازي : عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب ، في قوله تعالى : " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم " الآية والتي بعدها قال : فجمعهم له يؤمئذ جميعاً ما هو كائن منه إلى يوم القيامة ، فخلقهم ثم صورهم ثم استنطقهم فتكلموا وأخذ عليهم العهد والميثاق وأشهد عليهم أنفسهم : " ألست بربكم قالوا بلى " الآية .
قال : فإني أشهد عليكم السموات السبع والأرضين السبع ، وأشهد عليكم أباكم آدم ، ألا تقولوا يوم القيامة : لم نعلم بهذا ، اسمعوا أنه لا إله غيري ولا رب غيري ، ولا تشركوا بي شيئاً ، وإني سأرسل إليكم رسلاً ينذرونكم عهدي وميثاقي ، وأنزل عليكم كتابي .
قالوا : نشهد أنك ربنا وإلهنا ، لا رب لنا غيرك ، ولا إله لنا غيرك . فأقروا يومئذ بالطاعة .
ورفع أباهم آدم فنظر إليهم ، فرأى فيهم الغني والفقير ، وحسن الصورة ودون ذلك ، فقال : يا رب . . لو سويت بين عبادك ؟ فقال : إني أحببت أن أشكر .
ورأى فيهم الأنبياء مثل السرج عليهم النور ، وخصوا بميثاق آخر من الرسالة والنبوة ، فهو الذي يقول الله تعالى : " وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا " وهو الذي يقول : " فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله " وفي ذلك قال : " هذا نذير من النذر الأولى " وفي ذلك قال : " وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين " .
رواه الأئمة : عبد الله بن أحمد وابن أبي حاتم وابن جرير و ابن مردويه ، في تفاسيرهم من طريق أبي جعفر ، وروى عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن البصري وقتادة والسدي ، وغير واحد من علماء السلف بسياقات توافق هذه الأحاديث .
وتقدم أنه تعالى لما أمر الملائكة بالسجود لآدم ، امتثلوا كلهم الأمر الإلهي ، وامتنع إبليس من السجود له حسداً وعداوة له ، فطرده الله وأبعده وأخرجه من الحضرة الإلهية ونفاه عنها ، وأهبطه إلى الأرض طريداً ملعوناً شيطاناً رجيماً .
وقد قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، ويعلي ومحمد ابنا عبيد ، قالوا : حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد ، اعتزل الشيطان يبكي يقول : يا ويله . . أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة ، وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار " . ورواه مسلم من حديث وكيع وأبي معاوية عن الأعمش به .
ثم لما أسكن آدم الجنة التي أسكنها - سواء أكانت في السماء أم في الأرض على ما تقدم من الخلاف فيه - أقام بها هو وزوجته حواء عليهما السلام ، يأكلان منها رغداً حيث شاءا ، فلما أكلا من الشجرة التي نهيا عنها سلبا ما كانا فهي من اللباس وأهبطا إلى الأرض . وقد ذكرنا الإختلاف في مواضع هبوطه منها .
واختلفوا في مقدار مقامه في الجنة : فقيل بعض يوم من أيام الدنيا ، وقد قدمنا ما رواه مسلم عن أبي هريرة مرفوعاً : " وخلق آدم في آخر ساعة من ساعات يوم الجمعة " وتقدم أيضاً حديثه عنه . وفيه - يعني يوم الجمعة - " خلق آدم ، وفيه أخرج منها " .
فإن كان اليوم الذي خلق فيه أخرج فيه - وقلنا إن الأيام الستة كهذه الأيام - فقد لبث بعض يوم من هذه ، وفي هذا نظر وإن كان إخراجه في غير اليوم الذي خلق فيه ، أو قلنا بأن تلك الأيام مقدارها ستة آلاف سنة كما تقدم عن ابن عباس ومجاهد والضحاك ، واختاره ابن جرير ، فقد لبث هناك مدة طويلة .
قال ابن جرير : ومعلوم أنه خلق في آخر ساعة من يوم الجمعة ، والساعة منه ثلاثة وثمانون سنة وأربعة أشهر ، فمكث مصوراً طيناً قبل أن ينفخ فيه الروح أربعين سنة ، وأقام في الجنة قبل أن يهبط ثلاثاً وأربعين سنة وأربعة أشهر . . والله تعالى أعلم .
وقد روي عبد الرزاق ، عن هشام بن حسان ، عن سوار خبر عطاء بن أبي رباح : أنه كان لما أهبط رجلاه في الأرض ورأسه في السماء ، فحطه الله إلى ستين ذراعاً . وقد روى عن ابن عباس نحوه .
وفي هذا نظر ، لما تقدم من الحديث المتفق على صحته عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : " إن الله خلق آدم وطوله ستون ذراعاً ، فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن " ، وهذا يقتضي أنه خلق كذلك لا أطول من ستين ذراعاً ، وأن ذريته لم يزالوا يتناقص خلقهم حتى الآن .
وذكر ابن جرير عن ابن عباس : أن الله قال : يا آدم . . إن لي حرماً بحيال عرشي . فانطلق فابن لي فيه بيتاً ، فطف به كما تطوف ملائكتي بعرشي ، وأرسل الله له ملكاً فعرفه مكانه وعلمه المناسك ، وذكر أن موضع كل خطوة خطاها آدم صارت قربة بعد ذلك .
وعنه : أن أول طعام أكله آدم في الأرض ، أن جاءه جبريل بسبع حبات من حنطة ، فقال : ما هذا ؟ قال : هذا من الشجرة التي نهيت عنها فأكلت منهاه . فقال : وما أصنع بهذا ؟ قال : ابذره في الأرض ، فبذره ، وكان كل حبة منها زنتها أزيد من مائة ألف فنبتت فحصده ثم درسه ثم ذراه ، ثم طحنة ثم عجنه ثم خبزه فأكله بعد جهد عظيم وتعب ونكد ، وذلك قوله تعالى : " فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى " .
وكان أول كسوتهما من شعر الضأن : جزاه ثم غزلاه ، فنسج آدم له جبة ولحواء درعاً وخماراً .
واختلفوا : هل ولد لهما بالجنة شيء من الأولاد ؟ فقيل : لم يولد لهما إلا في الأرض وقيل : بل ولد لهما فيها ، فكان قابيل وأخته ممن ولد بها . . والله أعلم.
وذكروا أنه كان يولد له في كل بطن ذكر وأنثى ، وأمر أن يزوج كل ابن أخت أخيه التي ولدت معه ، والآخر بالأخرى ، وهلم جرا ، ولم يكن تحل أخت لأخيها الذي ولدت معه .


 

رد مع اقتباس
قديم 08-23-2010, 06:19 AM   #4
فريق المتابعة والتنظيم


الصورة الرمزية رمسيس
رمسيس متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 882
 تاريخ التسجيل :  Apr 2009
 أخر زيارة : 06-27-2024 (12:40 PM)
 المشاركات : 3,500 [ + ]
 التقييم :  309
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Sienna
 

افتراضي



ذكر قصة ابني آدم : قابيل وهابيل
قال الله تعالى : " واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين * لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين * إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين * فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين * فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوآة أخيه قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوآة أخي فأصبح من النادمين"
وقد تكلمنا على هذه القصة في سورة المائدة في التفسير بما فيه كفاية . . ولله الحمد .
ولنذكر هنا ملخص ما ذكره أئمة السلف في ذلك :
فذكر السدي عن أبي مالك وأبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة ، أن آدم كان يزوج ذكر كل بطن بأثنى الآخر ، وأن هابيل أراد أن يتزوج بأخت قابيل ، وكان أكبر من هابيل وأخت هابيل أحسن ، فأراد قابيل أن يستأثر بها على أخيه ، وأمره آدم عليه السلام أن يزوجه إياها فأبى ، فأمرهما أن يقربا قرباناً ، وذهب آدم ليحج إلى مكة ، واستحفظ السموات على بنيه فأبين ، والأرضين والجبال فأبين ، فتقبل قابيل بحفظ ذلك .
فلما ذهب قرباً قربانهما ، فقرب هابيل جذعة سمينة ، وكان صاحب غنم ، وقرب قابيل حزمة من زرع من ردىء زرعه ، فنزلت نار فأكلت قربان هابيل وتركت قربان قابيل فغضب وقال : لأقتلنك حتى لا تنكح أختي ، فقال : إنما يتقبل الله من المتقين .
وروى عن ابن عباس من وجوه آخر ، وعن عبد الله بن عمرو ، وقال عبد الله بن عمرو ، وأيم الله إن كان المقتول لأشد الرجلين ، ولكن منعه التحرج أن يبسط إليه يده !
وذكر أبو جعفر الباقر أن آدم كان مباشراً لتقريبهما القربان والتقبل من هابيل دون قابيل ، فقال قابيل لآدم ، إنما تقبل منه لأنك دعوت له ولم تدع لي ، وتوعد أخاه فيما بينه وبينه .
فلما كان ذات ليلة أبطأ هابيل في الرعي ، فبعث آدم أخاه قابيل لينظر ما بطأ به ، فلما ذهب إذا هو به ، فقال له : تقبل منك ولم يتقبل مني ، فقال : إنما يتقبل الله من المتقين ، فغضب قابيل عندها وضربه بحديدة كانت معه فقتله . وقيل : إنه إنما قتله بصخرة رماها على رأسه وهو نائم فشدخته . وقيل : بل خنقه خنقاً شديداً وعضه كما تفعل السباع ، فمات . . والله أعلم .
وقوله لما توعده بالقتل : " لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين " دل على خلق حسن ، وخوف من الله تعالى وخشية منه ، وتورع أن يقابل أخاه بالسوء الذي أراد منه أخوه مثله .
ولهذا ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار : قالوا : يا رسول الله . . هذا القاتل ، فما بال المقتول ؟ قال : إنه كان حريصاً على قتل صاحبه " .
وقوله : " إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين " أي إني أريد ترك مقاتلتك وإن كنت أشد منك وأقوى ، إذ قد عزمت علي ما عزمت عليه ، أن تبوء بإثمي وإثمك ، أي تتحمل إثم قتلي مع مالك من الآثام المتقدمة قبل ذلك ، قاله مجاهد والسدي وابن جرير وغير واحد .
وليس المراد أن آثام المقتول تتحول بمجرد قتله إلى القاتل كما قد توهمه بعض الناس ، فإن ابن جرير حكى الإجماع على خلاف ذلك .
وأما الحديث الذي يورده بعض من لا يعلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ترك القاتل على المقتول من ذنب " فلا أصل له ، ولا يعرف في شيء من كتب الحديث بسند صحيح ولا حسن ولا ضعيف أيضاً .
ولكن قد يتفق في بعض الأشخاص يوم القيامة ، أن يطالب المقتول القاتل فتكون حسنات القاتل لا تفي بهذه المظلمة فتحول من سيئات المقتول إلى القاتل ، كما ثبت بن الحديث الصحيح في سائر المظالم ، والقتل من أعظمها . . والله أعلم ، وقد حررنا هذا كله في التفسير ولله الحمد .
وقد روي الإمام أحمد و أبو داود و الترمذي ، عن سعد بن أبي وقاص ، أنه قال عند فتنة عثمان بن عفان : أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنها ستكون فتنة ، القاعد فيها خير من القائم ، والقائم خير من الماشي ، والماشي خير من الساعي " .
قال : أفرأيت إن دخل علي بيتي فبسط إلي ليقتلني .
قال : " كن كابن آدم " .
ورواه ابن مردويه ، عن حذيفة بن اليمان مرفوعاً ، وقال : " كن كخير ابني آدم " . وروى مسلم وأهل السنن إلا النسائي عن أبي ذر نحو هذا .
وأما الآخر فقد قال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ووكيع ، قالا : قال : حدثنا الأعمش ، عن عبد الله بن مرة ، عن مسروق ، عن ابن مسعود ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها ، لأنه كان أول من سن القتل " .
ورواه الجماعة سوى أبي داود من حديث الأعمش به . وهكذا روى عن عبد الله بن عمرو ابن العاص ، وإبراهيم النخعي أنهما قالا مثل هذا سواء .
وبجبل قاسيون شمالي دمشق مغارة يقال لها مغارة الدم ، مشهورة بأنها المكان الذي قتل قابيل أخاه هابيل عندها . وذلك مما تلقوه عن أهل الكتاب ، فالله أعلم بصحة ذلك .
وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة أحمد بن كثير - وقال : إنه كان من الصالحين - أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وهابيل ، وأنه استخلف هابيل أن هذا دمه فحلف له ، وذكر أنه سأل الله تعالى أن يجعل هذا المكان يستجاب عنده الدعاء ، فأجابه إلى ذلك ، وصدقه في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : إنه وأبا بكر وعمر يزورون هذا المكان في كل يوم خميس .
وهذا منام لوصح عن أحمد بن كثير هذا ، لم يترتب عليه حكم شرعي . . والله أعلم .
وقوله تعالى : " فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوآة أخيه قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوآة أخي فأصبح من النادمين " ذكر بعضهم أنه لما قتله حلمه على ظهره سنة ، وقال آخرون حمله مائة سنة ! ولم يزل كذلك حتى بعث الله غرابين . قال السدي بإسناده عن الصحابة : أخوين ، فتقاتلا فقتل أحدهما الآخر ، فلما قتله عمد إلى الأرض يحفر له فيها ثم ألقاه ودفنه ، وواراه ، فلما رآه يصنع ذلك " قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوآة أخي " ففعل مثل ما فعل الغراب فواراه ودفنه .
وذكر أهل التواريخ والسير أن آدم حزن على ابنه هابيل حزناً شديداً ، وأنه قال في ذلك شعراً ، وهو قوله فيما ذكره ابن جرير عن ابن حميد :
تغيرت البــلاد من عليهــــا فوجه الأرض مغبر قبيــح
تغــير كل ذي لــون وطعم وقل بشاشة الوجه المليح
فأجبيب آدم :
أبا قابيل قد قتلا جميـــعاً وصار الحي كالميت الذبيح
وجاء بشرة قد كان منهــا على خوف فجاء بها يصيح
وهذا الشعر فيه نظر . وقد يكون آدم عليه السلام قال كلاماً يتحزن به بلغته ، فألفه بعضهم إلى هذا ، وفيه أقوال . . والله أعلم .
وقد ذكر مجاهد أن هابيل عوجل بالعقوبة يوم قتل أخاه ، فتعلقت ساقه إلى فخذه وجعل وجهه إلى الشمس كيفما دارت ، تنكيلاً به وتعجيلاً لذنبه وبغيه وحسده لأخيه لأبويه .
وقد جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما من ذنب أجدر أن يجعل الله عقوبته في الدنيا مع ما يدخر لصاحبه في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم والذي رأيته في الكتاب الذي بأيدي أهل الكتاب الذين يزعمون أنه التوراة : أن الله عز وجل أجله وأنظره ، وأنه سكن في أرض نود في شرقي عدن وهم يسمونه قنين وأنه ولد له خنوخ ، ولخنوخ عندر ، ولعندر محاويل ، ولمحاويل متوشيل ، ولمتوشيل لامك ، وتزوج هذا امرأتين : عدا وصلا . فولدت عدا ولداً اسمه أبل ، وهو أول من سكن القباب واقتني المال ، وولد أيضاً نوبل وهو أول من أخذ في ضرب الونج والصنج .
وولدت صلا ولداً اسمه توبلقين وهو أول من صنع النحاس والحديد ، وبنتاً اسمها نعمى .
وفيها أيضاً أن آدم طاف على امرأته فولدت غلاماً ودعت اسمه شيث وقالت : من أجل أنه قد وهب لي خلفاً من هابيل الذي قتله قابيل ، وولد لشيث أنوش .
قالوا : وكان عمر آدم يولد ولد شيث مائة وثلاثون سنة ، وعاش بعد ذلك ثمانمائة سنة ، وكان عمر شيث يوم ولد له أنوش مائة وخمساً وستين ، وعاش بعد ذلك ثمانمائة سنة وسبع سنين . وولد له بنون وبنات غير أنوش .
فولد لأنوش قينان وله من العمر تسعون سنة ، وعاش بعد ذلك ثمانمائة سنة وخمس عشرة سنة ، وولد له بنون وبنات .
فلما كان عمر قينان سبعين سنة ولد له مهلاييل ، وعاش بعد ذلك ثمانمائة سنة وأربعين سنة ، وولد له بنون وبنات . فلما كان لمهلاييل من العمر خمس وستون سنة ولد له يرد وعاش بعد ذلك ثمانمائة سنة وولد له بنون وبنات .
فما كان ليرد مائة سنة واثنتان وستون سنة ولد له خنوخ وعاش بعد ذلك ثمانمائة سنة وولد له بنوت وبنات .
فمال كان لخنوخ خمس وستون سنة ولد له متوشلخ ، وعاش بعد ذلك ثمانمائة سنة ، وولد له بنون وبنات ، فلما كان لمتوشلخ مائة وسبع وثمانون سنة ولد له لامك وعاش بعد ذلك سبعمائة واثنين وثمانين سنة وولد له بنون وبنات .
فلما كان للامك من العمر مائة واثنتان وثمانون سنة ولد له نوح وعاش بعد ذلك خمسمائة وخمساً وتسعين سنة ، وولد له بنون وبنات ، فلما كان لنوح خمسمائة سنة ولد له بنون : سام وحام ويافث .
· وهذا مضمون ما في كتابهم صريحاً .
وفي كون هذه التواريخ محفوظة فيما نزل من السماء نظر ، كما ذكره غير واحد من العلماء طاعنين عليهم في ذلك . والظاهر أنها مقحمة فيها ، ذكرها بعضهم على سبيل الزيادة والتفسير ، وفيها غلط كثير كما سنذكره في مواضعه إن شاء الله تعالى .
وقد ذكر الإمام أبو جعفر بن جرير في تاريخه عن بعضهم : أن حواء ولدت لآدم أربعين ولداً في عشرين بطناً . قال ابن إسحاق وسماهم . . والله أعلم ، وقيل مائة وعشرين بطناً في كل واحد ذكر وأنثى ، أولهم قابيل وأخته قليما ، وآخرهم عبد المغيث وأخته أم المغيث .
ثم انتشر الناس بعد ذلك وكثروا ، وامتدوا في الأرض ونموا ، كما قال تعالى : " يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء " الآية .
وقد ذكر أهل التاريخ أن آدم عليه السلام لم يمت حتى رأى من ذريته من أولاده وأولاد أولاده أربعمائة ألف نسمة . . والله أعلم .
وقال تعالى : " هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين * فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون " الآيات . . فهذا تنبيه أولاً بذكر آدم ، ثم استطرد إلى الجنس وليس المراد بهذا ذكر آدم وحوله بل لما جرى ذكر الشخص استطرد إلى الجنس كما في قوله تعالى : " ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين " قال تعالى : " ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين " ومعلوم أن رجوم الشياطين ليست هي أعيان مصابيح السماء ، وإنما استطرد من شخصها إلى جنسها .
فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد ، حدثنا عمر بن إبراهيم ، حدثنا قتادة عن الحسن ، عن سمرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لما ولدت حواء طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد ، فقال : سميه عبد الحارث فإنه يعيش . فسمته عبد الحارث فعاش ، وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره " .
وهكذا رواه الترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم و ابن مرودويه في تفاسيرهم عند هذه الآية ، وأخرجه الحاكم في مستدركه ، كلهم من حديث عبد الصمد بن عبد الوارث به ، فقال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وقال الترمذي : حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عمر ابن إبراهيم ، وراه بعضهم عن عبد الصمد ولم يرفعه .
فهذه علة قادحة في الحديث أنه روى موقوفاً على الصحابي وهذا أشبه والظافر أنه تلقاه من الإسرائيليات ، وهكذا روى موقوفاً عن ابن عباس . والظاهر أن هذا متلقى عن كعب الأحبار وذويه . . والله أعلم .
وقد فسر الحسن البصري هذه الآيات بخلاف هذا ، فلو كان عنده عن سمرة مرفوعاً لما عدل منه إلى غيره . . والله أعلم .
وأيضاً فالله تعالى إنما خلق آدم وحواء فيكونا أصل البشر ، وليبث منهما رجالاً كثيراً ونساء ، فكيف كان حواء لا يعيش لها ولد ذكر في هذا الحديث إن كان محفوظاً ؟
والمظنون بل المقطوع به أن رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم خطأ ، والصواب وقفه . . والله أعلم ، وقد حررنا هذا في كتابنا التفسير ولله الحمد .
ثم قد كان آدم وحواء أتقى لله مما ذكر عنهما في هذا ، فإن آدم أبو البشر الذي خلقه الله بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وأسجد له ملائكته ، وعلمه أسماء كل شيء وأسكنه جنته
وقد روى ابن حبان في صحيحه عن أبي ذر قال : قلت : يارسول الله . . كم الأنبياء ؟ قال : " مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً " . قلت : يا رسول الله . . كم الرسل منهم ؟ قال : " ثلاثمائة وثلاثة عشر : جم غفير " قلت : يا رسول الله من كان أولهم ؟ قال : آدم قلت : يا رسول الله . . نبي مرسل ؟ قال : " نعم خلقه الله بيده ثم نفخ فيه من روحه ثم سواه قبلاً " .
وقال الطبراني : حدثنا إبراهيم بن نائلة الأصبهاني ، حدثنا شيبان بن فروخ ، حدثنا نافع ابن هرمز ، عن عطاء بن رباح ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أخبركم بأفضل الملائكة : جبريل ، وأفضل النبيين آدم ، وأفضل الأيام يوم الجمعة ، وأفضل الشهور شهر رمضان ، وأفضل الليالي ليلة القدر ، وأفضل النساء مريم بنت عمران " .
وهذا إسناد ضعيف ، فإن نافعاً أبا هرمز كذبه ابن معين ، وضعفه أحمد وأبو زرعة وأبو حاتم و ابن حبان وغيرهم . . والله أعلم .
وقال كعب الأحبار : ليس أحد في الجنة له لحية إلا آدم ، لحيته سوداء إلى سرته ، وليس أحد يكنى في الجنة إلا آدم ، كنيته في الدنيا أبو البشر وفي الجنة أبو محمد .
وقد روى ابن عدي من طريق شيخ ابن أبي خالد ، عم حماد بن سلمة ، عن عمرو بن دينار ، عن جابر بن عبد الله مرفوعاً : أهل الجنة يدعون بأسمائهم إلا آدم فإنه يكنى أبا محمد .
ورواه ابن عدي أيضاً من حديث علي بن أبي طالب ، وهو ضعيف من كل وجه والله أعلم .
وفي حديث الإسراء الذي في الصحيحين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مر بآدم وهو في السماء الدنيا ، قال له : مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح ، وقال : وإذا كان يمينه أسودة وعن يساره أسودة ، فإذا نظر عن يمينه ضحك ، وإذا نظر عن شماله بكى فقلت : يا جبريل . . ما هذا ؟ قال : هذا آدم وهؤلاء نسم بينه ، فإذا نظر قبل أهل اليمين - وهم أهل الجنة - ضحك ، وإذا نظر قبل أهل الشمال - وهم أهل النار - بكى .
وهذا معنى الحديث .
وقال أبو بكر البزار : حدثنا محمد بن المثنى ، حدثني يزيد بن هارون ، أنبأنا هشام بن حسان عن الحسن قال : كان عقل آدم مثل عقل جميع ولده .
وقال بعض العلماء في قوله صلى الله عليه وسلم : " فمررت بيوسف وغذا هو قد أعطى شطر الحسن " ، قالوا : معناه أنه كان على النصف من حسن آدم عليه السلام وهذا مناسب ، فإن الله خلق آدم وصوره بيده الكريمة ، ونفخ فيه من روحه ، فما كان ليخلق إلا أحسن الأشياء .
وقد روينا عن عبد الله ، عن عمر وابن عمر أيضاً موقوفاً ومرفوعاً : أن الله تعالى لما خلق الجنة ، قالت الملائكة : يا ربنا . . اجعل لنا هذه ، فإنك خلقت لبني آدم الدنيا يأكلون فيها ويشربون ، فقال الله تعالى : وعزتي وجلالي لا أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي كمن قلت له كن فكان .
وقد ورد الحديث المروي في الصحيحين وغيرهما من طرق : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله خلق آدم على صورته " وقد تكلم العلماء على هذا الحديث فذكروا فيه مسالك كثيرة ليست هذا موضع بسطها . . والله أعلم .
ذكر وفاة آدم ووصيته إلى ابنه شيث عليه السلام
ومعنى شيث هبة الله ، وسماه بذلك لأنهما رزقاه بعد أن قتل هابيل .
قال أبو ذر في حديثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله أنزل مائة صحيفة وأربع صحف ، على شيث خمسين صحيفة " .
قال محمد بن إسحاق : ولما حضرت آدم الوفاة عهد إلى ابنه شيث وعلمه ساعات الليل والنهار ، وعلمه عبادات تلك الساعات ، وأعلمه بوقوع الطوفان بعد ذلك
قال : ويقال : إن أنساب بني آدم اليوم كلها تنتهي إلى شيث وسائر أولاد آدم غيره انقرضوا وبادوا . . والله أعلم .
ولما توفي آدم عليه السلام - وكان ذلك يوم الجمعة - جاءته الملائكة بحنوط وكفن - من عند الله عز وجل - من الجنة ، وعزوا فيه ابنه ووصيه شيثاً عليه السلام . قال ابن إسحاق : وكسفت الشمس والقمر سبعة أيام بلياليهن .
وقد قال عبد الله ابن الإمام أحمد : حدثنا هدبة بن خالد ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن حميد ، عن الحسن ، عن يحيى - هو ابن ضمرة السعدي - قال : رأيت شيخاً بالمدينة يتكلم فسألته عنه فقالوا : هذا أبي بن كعب ، فقال : إن آدم لما حضره الموت قال لبنيه : أي بني . . إني أشتهي من ثمار الجنة .
قال : فذهبوا يطلبون له ، فاستقبلتهم الملائكة ومعهم أكفانه وحنوطه ، ومعهم الفؤوس والمساحي والمكاتل ، فقالوا لهم : يا بني آدم ما تريدون وما تطلبون ؟ - أو ما تريدون ؟ وأين تطلبون ؟ - قالوا : أبونا مريض واشتهى من ثمار الجنة ، فقالوا لهم : ارجعوا فقد قضي أبوكم فجاءوا فلما رأتهم حواء عرفتهم فلاذت بآدم . فقال : إليك عني فإني إنما أتيت من قبلك ، فخلى بيني وبين ملائكة ربي عز وجل ، فقبضوه وغسلوه وكفنوه وحنطوه ، وحفروا له ولحدوه ، وصلوا عليه ثم أدخلوه قبره فوضوه في قبره ، ثم حثوا عليه ، ثم قالوا : يا بني آدم . . هذه سنتكم ( إسناد صحيح إليه ) .
وروى ابن عساكر من طريق شيبان بن فروخ ، عن محمد بن زياد ، عن ميمون بن مهران ، عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كبرت الملائكة على آدم أربعاً ، وكبر أبو بكر على فاطمة أربعاً ، وكبر عمر على أبي بكر أربعاً ، وكبر صهيب على عمراً أربعاً " .
قال ابن عساكر : ورواه غيره عن ميمون فقال : عن ابن عمر .
واختلفوا في موضع دفنه ، فالمشهور أنه دفن عند الجبل الذي أهبط فيه في الهند ، وقيل بجبل أبي قبيس بمكة . ويقال إن نوحاً عليه السلام لما كان زمن الطوفان حمله هو وحواء في تابوت ، فدفنهما ببيت المقدس ، حكى ذلك ابن جرير .
وروى ابن عساكر عن بعضهم أنه قال : رأس عنه مسجد إبراهيم ورجلاه عند صخرة بيت المقدس . وقد ماتت بعده حواء بسنة واحدة .
واختلف في مقدار عمره عليه السلام : فقدمنا في الحديث عن ابن عباس وأبي سريرة مرفوعاً : أن عمره اكتتب في اللوح المحفوظ ألف سنة .
وهذا لا يعارضه ما في التوراة من أن عاش تسعمائة وثلاثين سنة . لأن قولهم هذا مطعون فيه مردود ، إذا خالف الحق الذي بأيدينا مما هو المحفوظ عن المعصوم .
وأيضاً فإن قولهم هذا يمكن الجمع بينه وبين ما في الحديث . فإن ما في التوراة - إن كان محفوظاً - محمول على مدة مقامه في الأرض بعد الإهباط ، وذلك تسعمائة سنة وثلاثون سنة شمسية ، وهي بالقمرية تسمائة وسبع وخمسون سنة . ويضاف إلى ذلك ثلاث وأربعون سنة مدة مقامه في الجنة قبل الإهباط على ما ذكره ابن جرير وغيره ، فيكون الجميع ألف سنة .
وقال عطاء الخرساني : لما مات آدم بكت الخلائق عليه سبعة أيام ، رواه ابن عساكر .
فلما مات آدم عليه السلام قام بأعباء الأمر بعده ولده شيث عليه السلام ، وكان نبياً بنص الحديث الذي رواه ابن حبان في صحيحه ، عن أبي ذر مرفوعاً : أنه أنزل عليه خمسون صحيفة .
فما حانت وفاته أوصى إلى ابنه أنوش فقام بالأمر بعده ، ثم بعده ولده قينن ثم من بعده ابنه مهلاييل ، وهو الذي يزعم الأعاجم من الفرس أنه ملك الأقاليم السبعة ، وأنه أول من قطع أشجار ، وبني المدائن والحصون الكبار ، وأنه هو الذي بنى مدينة بابل ومدينة السوس الأقصى . وأنه قهر إبليس وجنوده وشردهم عن الأرض إلى أطرافها وشعاب جبالها وأنه قتل خلقاً من مردة الجن والغيلان ، وكان له تاج عظيم ، وكان يخطب الناس ودامت دولته أربعين سنة .
فما مات قام بالأمر بعده ولده يرد فلما حضرته الوفاة أوصى إلى ولده خنوخ وهو إدريس عليه السلام على المشهور .


 

رد مع اقتباس
قديم 08-23-2010, 06:20 AM   #5
ســــــلايـــل عـــبـــــس


الصورة الرمزية ابن حوقان
ابن حوقان غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 524
 تاريخ التسجيل :  Sep 2008
 أخر زيارة : 02-21-2024 (10:02 PM)
 المشاركات : 19,121 [ + ]
 التقييم :  584
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Crimson
 

افتراضي



بارك الله فيك


 
 توقيع : ابن حوقان



رد مع اقتباس
قديم 08-23-2010, 06:20 AM   #6
فريق المتابعة والتنظيم


الصورة الرمزية رمسيس
رمسيس متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 882
 تاريخ التسجيل :  Apr 2009
 أخر زيارة : 06-27-2024 (12:40 PM)
 المشاركات : 3,500 [ + ]
 التقييم :  309
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Sienna
 

افتراضي



ذكر إدريس عليه السلام
قال الله تعالى : " واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا * ورفعناه مكانا عليا " فإدريس عليه السلام قد أثنى عليه ووصفه بالنبوة والصديقية ، وهو خنوخ هذا . وهو في عمود نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما ذكره غير واحد من علماء النسب .
وكان أول بني آدم أعطى النبوة بعد آدم وشيث عليهما السلام .
وذكر ابن إسحاق أنه أول من خط بالقلم ، وقد أدرك من حياة آدم ثلاثمائة سنة وثماني سنين . وقد قال طائفة من الناس : إنه المشار إليه في حديث معاوية بن الحكم السلمي لما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخط بالرمل فقال : " إنه كان نبي يخط به فمن وافق خطه فذاك " .
يزعم كثير من علماء التفسير والأحكام أنه أول من تكلم في ذلك ، ويسمونه هرمس الهرامسة ، ويكذبون عليه أشياء كثيرة كما كذبوا على غيرة الأنبياء والعلماء والحكماء والأولياء .
وقوله تعالى : " ورفعناه مكانا عليا " هو كما ثبت في الصحيحين في حديث الإسراء : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به وهو في السماء الرابعة . وقد روى ابن جرير عن يونس عن عبد الأعلى ، عن ابن وهب ، عن جرير بن حازم ، عن الأعمش ، عن شمر بن عطية ، عن هلال بن يساف قال : سأل ابن عباس كعباً وأنا حاضر فقال له : ما قول الله لإدريس : " ورفعناه مكانا عليا " ؟ فقال كعب : أما إدريس فإن الله أوحي إليه : إني أرفع لك كل يوم مثل جميع عمل بني آدم - لعله من أهل زمانه - فأحب أن يزداد عملاً ، فأتاه خليل له من الملائكة فقال : إن الله أوحي لي كذا وكذا ، فكلم ملك الموت حتى أزداد عملاً ، فحمله بين جنياحيه ثم صعد به إلى السماء ، فلما كان في السماء الرابعة تلقاه ملك الموت منحدراً ، فكلم ملك الموت في الذي كلمه فيه إدريس ، فقال : وأين إدريس ؟ قال هو ذا على ظهري ، فقال ملك الموت : يا للعجب . بعثت وقيل لي اقبض روح إدريس في السماء الرابعة ، فجعلت أقول : كيف أقبض روحه في السماء الرابعة وهو في الأرض ؟ فقبض روحه هناك . فذلك قول الله عز وجل : " ورفعناه مكانا عليا " .
ورواه ابن أبي حاتم عند تفسيرها ، وعند فقال لذلك الملك : سل لي ملك الموت كم بقي من عمري ؟ فسأله وهو معه : كم بقي من عمره ؟ فقال : لا أدري حتى أنظر ، فنظر فقال : إنك لتسألني عن رجل ما بقي من عمره إلا طرفة عين ، فنظر الملك إلى تحت جناحه إلى إدريس فإذا هو قد قبض وهو لا يشعر .
وهذا من الإسرائيليات ، وفي بعضه نكارة .
وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : " ورفعناه مكانا عليا " قال : إدريس رفع ولم يمت كما رفع عيسى ، إن أراد أنه لم يمت إلى الآن ، ففي هذا نظر ، وإن أراد أنه رفع حياً إلى السماء ثم قبض هناك . فلا ينافي ما تقدم عن كعب الأحبار . . والله أعلموقال الوفي عن ابن عباس في قوله : " ورفعناه مكانا عليا " رفع إلى السماء السادسة فمات بها ، وهكذا قال الضحاك . والحديث المتفق عليه من أنه في السماء الرابعة أصح ، وهو قول مجاهد وغيره واحد ، وقال الحسن البصري : " ورفعناه مكانا عليا " قال : إلى الجنة ، وقال قائلون : رفع في حياة أبيه : يرد بن مهلاييل . . والله أعلم . وقد زعم بعضهم أن إدريس لم يكن قبل نوح ، بل في زمان بني إسرائيل .
قال البخاري : ويذكر عن ابن مسعود وابن عباس : أن إلياس هو إدريس ، واستأنسوا في ذلك بما جاء في حديث الزهري عن أنس في الإسراء : أنه لما مر به عليه السلام قال له : مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح . ولم يقل كما قال آدم وإبراهيم : مرحباً بالنبي الصالح والابن الصالح . قالوا : فلو كان في عمود نسبه لقال كما قالا له .
وهذا لا يدل ولا بد ، لأنه قد لا يكون الراوي حفظه جيداً ، أو لعله قاله على سبيل الهضم والتواضع ، ولم ينتصب له في مقام الأبوة كما انتصب لآدم أبي البشر ، وإبراهيم الذي هو خليل الرحمن وأكبر أولى العزم بعد محمد . . صلوات الله عليهم أجمعين .


 

رد مع اقتباس
قديم 08-23-2010, 07:28 AM   #7
فريق المتابعة والتنظيم


الصورة الرمزية رمسيس
رمسيس متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 882
 تاريخ التسجيل :  Apr 2009
 أخر زيارة : 06-27-2024 (12:40 PM)
 المشاركات : 3,500 [ + ]
 التقييم :  309
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Sienna
 

افتراضي



قصة نوح عليه السلام
هو نوح بن لامك بن متوشلخ بن خنوخ - وهو إدريس - بن يرد بن مهلاييل بن قينن ابن أنوش بن شيث بن آدم أبي البشر عليه السلاموكان مولده بعد وفاة آدم بمائة سنة وست وعشرين سنة ، فيما ذكره ابن جرير وغيرهوعلى تاريخ أهل الكتاب المقدم يكون بين مولد نوح وموت آدم مائة وست وأربعون سنة ، وكان بينهما عشرة قرون كما قال الحافظ أبو الحاتم بن حبان في صحيحه : حدثنا محمد بن عمر بن يوسف ، حدثنا محمد بن عبد الملك بن زنجويه ، حدثنا أبو توبة ، حدثنا معاوية بن سلام ، عن أخيه زيد بن سلام سمعت أبا سلام سمعت أبا أمامة : أن رجلاً قال : يا رسول الله أنبي كان آدم ؟ قال : نعم مكلم قال : فكم كان بينه وبين نوح ؟ قال : عشرة قرونقلت : وهذا على شرط مسلم ولم يخرجهوفي صحيح البخاري عن ابن عباس قال : كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلامفإن كان المراد بالقرون مائة سنة - كما هو المتبادر عند كثير من الناس - فبينهما ألف سنة لا محالة ، لكن لا ينفي أن يكون أكثر باعتبار ما قيد به ابن عباس بالإسلام ، إذاً قد يكون بينهما قرون آخر متأخرة لم يكونوا على الإسلام ، لكن حديث أبي أمامة يدل على الحصر في عشرة قرون ، وزادنا ابن عباس : أنهم كانوا على الإسلاموهذا يرد قول من زعم من أهل التواريخ وغيرهم من أهل الكتاب : أن قابيل وبنيه عبدوا النار والله أعلموإن كان المراد بالقرن الجيل من الناس كما في قوله تعالى : وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وقوله : ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين وقال تعالى : وقرونا بين ذلك كثيرا وقال : وكم أهلكنا قبلهم من قرن وقوله عليه الصلاة والسلام : خير القرون قرني الحديث ، فقد كان الجيل قبل نوح يعمرون الدهور الطويلة ، فعلى هذا يكون بين آدم ونوح ألوف من السنين والله أعلموبالجملة فنوح عليه السلام إنما بعثه الله تعالى لما عبدت الأصنام والطواغيت ، وشرع الناس في الضلالة والكفر ، فبعثه الله رحمة للعباد ، فكان أول رسول بعث إلى أهل الأرض ، كما يقول أهل الموقف يوم القيامةوكان قومه يقال لهم : بنو راسب فيما ذكره ابن جرير وغيرهواختلفوا في مقدار سنه يوم بعث : فقيل : كان ابن خمسين سنة ، وقيل : ابن ثلاثمائة وخمسين سنة ، وقيل : ابن أربعمائة وثمانين سنة حكاها ابن جرير ، وعزا الثالثة منها إلى ابن عباس* * *وقد ذكر الله قصته وما كان من قومه ، وما أنزل بمن كفر به من العذاب بالطوفان ، وكيف أنجاه وأصحاب السفينة ، في غير ما موضع من كتابه العزيز ، ففي الأعراف ويونس وهو والأبيناء والمؤمنون والشعراء والعنكبوت والصافات واقتربت ، وأنزل فيه سورة كاملةفقال في سورة الأعراف : لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم * قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين * قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين * أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون * أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون * فكذبوه فأنجيناه والذين معه في الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوما عمينوقال تعالى في سورة يونس : واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون * فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين * فكذبوه فنجيناه ومن معه في الفلك وجعلناهم خلائف وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا فانظر كيف كان عاقبة المنذرينوقال تعالى في سورة هود : ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين * أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم * فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين * قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون * ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقوا ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون * ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم أفلا تذكرون * ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا الله أعلم بما في أنفسهم إني إذا لمن الظالمين * قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين * قال إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين * ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون * أم يقولون افتراه قل إن افتريته فعلي إجرامي وأنا بريء مما تجرمون * وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون * واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون * ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون * فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم * حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل * وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها إن ربي لغفور رحيم * وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين * قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين * وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين * ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين * قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين * قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين * قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم * تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقينوقال تعالى في سورة الأنبياء : ونوحا إذ نادى من قبل فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم * ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعينوقال تعالى في سورة قد أفلح المؤمنون : ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون * فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم ولو شاء الله لأنزل ملائكة ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين * إن هو إلا رجل به جنة فتربصوا به حتى حين * قال رب انصرني بما كذبون * فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون * فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين * وقل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين * إن في ذلك لآيات وإن كنا لمبتلينوقال تعالى في سورة الشعراء : كذبت قوم نوح المرسلين * إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون * إني لكم رسول أمين * فاتقوا الله وأطيعون * وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين * فاتقوا الله وأطيعون * قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون * قال وما علمي بما كانوا يعملون * إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون * وما أنا بطارد المؤمنين * إن أنا إلا نذير مبين * قالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين * قال رب إن قومي كذبون * فافتح بيني وبينهم فتحا ونجني ومن معي من المؤمنين * فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون * ثم أغرقنا بعد الباقين * إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيموقال تعالى في سورة العنكبوت : ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون * فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمينوقال تعالى في سورة الصافات : ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون * ونجيناه وأهله من الكرب العظيم * وجعلنا ذريته هم الباقين * وتركنا عليه في الآخرين * سلام على نوح في العالمين * إنا كذلك نجزي المحسنين * إنه من عبادنا المؤمنين * ثم أغرقنا الآخرينوقال تعالى في سورة القمر : كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر * فدعا ربه أني مغلوب فانتصر * ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر * وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر * وحملناه على ذات ألواح ودسر * تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر * ولقد تركناها آية فهل من مدكر * فكيف كان عذابي ونذر * ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكروقال تعالى : إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم * قال يا قوم إني لكم نذير مبين * أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون * يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون * قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا * فلم يزدهم دعائي إلا فرارا * وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا * ثم إني دعوتهم جهارا * ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا * فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا * ما لكم لا ترجون لله وقارا * وقد خلقكم أطوارا * ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا * وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا * والله أنبتكم من الأرض نباتا * ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا * والله جعل لكم الأرض بساطا * لتسلكوا منها سبلا فجاجا * قال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا * ومكروا مكرا كبارا * وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا * وقد أضلوا كثيرا ولا تزد الظالمين إلا ضلالا * مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا * وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا * إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا * رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تباراوقد تكلمنا على كل موضع من هذه في التفسير وسنذكر مضمون القصة مجموعاً من هذه الأماكن المتفرقة ، ومما دلت عليه الأحاديث والآثاروقد جرى ذكره أيضاً في مواضع متفرقة من القرآن فيها مدحه وذم من خالفه ، فقال تعالى في سورة النساء : إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا * ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما * رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيماوقال في سورة الأنعام : وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم * ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين * وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين * وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين * ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم الآياتوتقدمت قصته في الأعرافوقال في سورة براءة : ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين والمؤتفكات أتتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمونوتقدمت قصته في يونس وهودوقال في سورة إبراهيم : ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريبوقال في سورة الإسراء : ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا وقال فيها أيضاً : وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيراوتقدمت قصته في الأنبياء والمؤمنون والشعراء والعنكبوتوقال في سورة الأحزاب : وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا وقال في سورة ص : كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد * وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة أولئك الأحزاب * إن كل إلا كذب الرسل فحق عقابوقال في سورة غافر : كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب * وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب الناروقال في سورة الشورى : شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيبوقال تعالى في سورة ق : كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود * وعاد وفرعون وإخوان لوط * وأصحاب الأيكة وقوم تبع كل كذب الرسل فحق وعيدوقال في الذاريات : وقوم نوح من قبل إنهم كانوا قوما فاسقينوقال في سورة النجم : وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى وتقدمت قصته في سورة اقتربت الساعةوقال تعالى في سورة الحديد : ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقونوقال تعالى في سورة التحريم ، ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين

[IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/xp/LOCALS%7E1/Temp/moz-screenshot-3.jpg[/IMG]
مضمون ما جرى لنوح مع قومه
وأما مضمون ما جرى له مع قومه مأخوذاً من الكتاب والسنة والآثار ، فقد قدمنا عن ابن عباس : أنه كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام ، رواه البخاري وذكرنا أن المراد بالقرن الجيل أو المدة على ما سلف
ثم بعد ذلك القرون الصالحة حدثت أمور اقتضت أن آل الحال بأهل ذلك الزمان إلى عبادة الأصنام
وكان سبب ذلك ما رواه البخاري من حديث ابن جريح عن عطاء عن ابن عباس عند تفسير قولهم تعالى : " وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا " قال : هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح ، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً وسموها بأسمائهم ، ففعلوا فلم تعبد ، حتى إذا هلك أولئك وانتسخ العلم عبدت
قال ابن عباس : وصارت هذه الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد وهكذا قال عكرمة والضحاك وقتادة ومحمد ابن إسحاق
قال ابن جرير في تفسيره : حدثنا ابن حميد ، حدثنا مهران عن سفيان ، عن موسى ، عن محمد بن قيس قال : كانوا قوماً صالحين بين آدم ونوح ، وكان لهم أتباع يقتدون بهم ، فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم : لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إلى ذكرناهم ، فصورهم فلما ماتوا وجاء آخرون دب إليهم إبليس فقال : إنما كانوا يعبدونهم وبهم يسقون المطر فعبدوهم
وروى ابن أبي حاتم عن عروة ابن الزبير أنه قال : ود ويغوث ويعوق وسواع ونسر ، أولاد آدم وكان ود أكبرهم وأبرهم به
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن منصور ، حدثنا الحسن بن موسى ، حدثنا يعقوب عن أبي المطهر ، قال ذكروا عند أبي جعفر - هو الباقر - وهو قائم يصلي يزيد بن المهلب ، قال فلما انفتل من صلاته قال : ذكرتم يزيد بن المهلب ، أما أنه قتل في أول أرض عبد فيها غير الله تقعالى قال ذكر وداً قال : كان رجلاً صالحاً ، وكان محبباً في قومه ، فلما مات عكفوا حول قبره في أرض بابل وجزعوا عليه ، فلما رأى إبليس جزعهم عليهم تشبه في صورة إنسان ثم قال : إني أرى جزعكم على هذا الرجل ، فهل لكم أن أصور لكم مثله فيكون في ناديكم فتذكرونه به ؟ قالوا : نعم ، فصور لهم مثله ، قال : فوضعوه في ناديهم وجعلوا يذكرونه فلما رأى ما بهم من ذكره قال : هل لكم أن أجعل في منزل كل واحد منكم تمثالاً مثله ليكون له في بيته فتذكرونه ؟ قالوا : نعم ، قال : فمثل لكل أهل بيت تمثالاً مثله ، فأقبلوا فجعلوا يذكرونه به ، قال : وأدرك أنباؤهم فجعلوا يرون ما يصنعون به ، قال : وتناسلوا ودرس أمر ذكرهم إياه حتى اتخذوه إلهاً يعبدونه من دون الله أولاد أولادهم ، فكان أول ما عبد غير الله ود الصنع الذي سموه وداً
ومقتضى هذا السياق أن كل صنم من هذه عبده طائفة من الناس ، وقد ذكر أنه لما تطاولت العهود والأزمان ، جعلوا تلك الصور تماثيل مجسدة ليكون أثبت لها ، ثم عبدت بعد ذلك من دون الله عز وجل ولهم في عبادتها مسالك كثيرة جداً قد ذكرناها في مواضعها من كتابنا التفسير ولله الحمد والمنة
وقد ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه لما ذكرت عنده أم سلمة وأم حبيبة ، تلك الكنيسة التي رأينها بأرض الحبشة ، ويقال لها مارية وذكرتا من حسنها وتصاوير فيها قال : " أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً ، ثم صوروا فيه تلك الصورة ، أولئك شرار الخلق عند الله عز وجل "
* * *
والمقصود أن الفساد لما اتنشر في الأرض وعم البلاء بعبادة الأصنام فيها ، بعث الله عبده ورسوله نوحاً عليه السلام ، يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، وينهي عن عبادة ما سواه
فكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض ، كما ثبت في الصحيحين من حديث أبي حيان ، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة ، قال : " فيأتون آدم فيقولون : يا آدم أنت أبو البشر ، خلقك الله بيده ، ونفخ فيك من ورحه ، وأمر الملائكة فسجدوا لك وأسكنك الجنة ، ألا تشفع لنا إلى ربك ؟ ألا ترى ما نحن فيه وما بلغنا ؟ فيقول : ربي قد غضب غضباً شديداً لم يغضب قبله مثله ، ولا يغضب بعده مثله ، ونهاني عن شجرة فعصيت ، نفسي نفسي ، اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى نوح
فيأتون نوحاً فيقولون : يا نوح أنت أول الرسل إلى أهل الأرض ، وسماك الله عبداً شكوراً ، ألا ترى إلى ما نحن فيه ألا ترى إلا ما بلغنا ؟ ألا تشفع لنا إلى ربك عز وجل ؟ فيقول : ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله ، نفسي نفسي " وذكر تمام الحديث كا أورده البخاري في قصة نوح
فما بعث الله نوحاً عليه السلام ، دعاهم إلى إفراد عبادة الله وحده لا شريك له ، وألا يعبدوا معه صنماً ولا تمثالاً ولا طاغوتاً وأن يعترفوا بوحدانيته ، وأنه لا إله غيره ولا رب سواه ، كما أمر الله تعالى من بعده من الرسل الذي هم كلهم من ذريته ، كما قال تعالى : " وجعلنا ذريته هم الباقين " وقال فيه وفي إبراهيم : " وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب " ، أي كل نبي من بعد نوح فمن ذريته ، وكذلك إبراهيم
قال الله تعالى : " ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت " وقال تعالى : " واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون " وقال تعالى : " وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون "
ولهذا قال نوح لقومه : " اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم " وقال : " أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم " وقال : " يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون " وقال : " يا قوم إني لكم نذير مبين * أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون " : و" وقد خلقكم أطوارا " الآيات الكريمات
فذكر أنهم دعاهم إلى الله بأنواع الدعوة في الليل والنهار ، والسر والإجهار ، بالترغيب تارة والترهيب أخرى ، وكل هذا لم ينجح فيهم ، بل استمر أكثرهم على الضلالة والطغيان ، وعبادة الأصنام والأوثان ، ونصبوا له العداوة في كل وقت وأوان ، وتنقصوه وتنقصوا من آمن به ، وتوعدهم بالرجم والإخراج ، ونالوا منهم وبالغوا في أمرهم
" قال الملأ من قومه " أي السادة الكبراء منهم : " إنا لنراك في ضلال مبين "
" قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين " أي لست كما تزعمون من أني ضال ، بل على الهدى المستقيم رسول من رب العالمين ، أي الذي يقول للشيء كن فيكون : " أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون " وهذا شأن الرسول أن يكون بليغاً ، أي فصيحاً ناصحاً ، أعلم الناس بالله عز وجل
وقالوا له فيما قالوا : " ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين "
تعجبوا أن يكون بشر رسولاً وتنقصوا من اتبعه ورأوهم أراذلهم ، وقد قيل إنهم كانوا من أفناد الناس وهم ضعفاؤهم ، كما قال هرقل : وهم أتباع الرسل ، وما ذاك إلا لأنه لا مانع لهم من اتباع الحق
وقولهم : " بادي الرأي " أي بمجرد ما دعوتهم استجابوا لك من غير نظر ولا روية وهذا الذي رموهم به هو عين ما يمدحونه بسببه رضي الله عنهم ، فإن الحق الظاهر لا يحتاج إلى روية ولا فكر ولا نظر ، بل يجب اتباعه واإنقياد له متى ظهر
ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مادحاً للصديق : " ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كانت له كبوة غير أبي بكر ، فإنه لم يتلعثم " ، ولهذا كانت بيعته يوم السقيفة أيضاً سريعة من غير نظر ولا روية ، لأن أفضليته على من عداه ظاهرة جلية عند الصحابة رضي الله عنهم ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يكتب الكتاب الذي أراد أن ينص فيه على خلافته فتركه ، قال : " يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر " رضي الله عنه
وقوله كفرة قوم نوح له ولمن آمن به : " وما نرى لكم علينا من فضل " أي لم يظهر لكم أمر بعد اتصافكم بالإيمان ولا مزية علينا " بل نظنكم كاذبين * قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون
وهذا تلطف في الخطاب معهم : ترفق بهم في الدعوة إلى الحق ، كما قال تعالى : " فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى " وقال تعالى : " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن " وهذا منه
يقول لهم : " أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده " أي النبوة والرسالة ، " فعميت عليكم " أي فلم تفهموها ولم تهتدوا إليها ، " أنلزمكموها " أي أنغصبكم بها ونجبركم عليها ؟ " وأنتم لها كارهون " أي ليس لي فيكم حيلة والحالة هذه ، " ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله " أي لست أريد منكم أجرة على إبلاغي إياكم ما ينفعكم في دنياكم وأخراكم ، أن أطلب ذلك إلا من الله الذي ثوابه خير لي ، وأبقى مما تعطوني أنتم
وقوله : " وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقوا ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون " كأنهم طلبوا منه أن يبعد هؤلاء عنه ، ووعدوه أن يجتمعوا به إذا هو فعل ذلك ، فأبى عليهم ذلك ، وقال : " إنهم ملاقوا ربهم " أي فأخاف إن طردتهم أفلا تذكرون
ولهذا سأل كفار قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرد عنه ضعفاء المؤمنين ، كعمار وصهيب وبلال وخباب وأشباههم ، نهاه الله عن ذلك ، كما بيناه في سورتي الأنعام والكهف
" ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك " أي بل أنا عبد رسول ، لا أعلم من علم الله إلا ما أعلمني به ولا أقد إلا على ما أقدرني عليه ، ولا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله : " ولا أقول للذين تزدري أعينكم " يعني من أتباعه " لن يؤتيهم الله خيرا الله أعلم بما في أنفسهم إني إذا لمن الظالمين " أي لا أشهد عليهم بأنهم لا خير لهم عند الله يوم القيامة ، الله أعلم بهم وسيجازيهم على ما في نفوسهم إن خيراً فيخر وإن شراً فشر ، كما قالوا في المواضع الأخر : " أنؤمن لك واتبعك الأرذلون * قال وما علمي بما كانوا يعملون * إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون * وما أنا بطارد المؤمنين * إن أنا إلا نذير مبين "
* * *
وقد تطاول الزمان والمجادلة بينه وبينهم كما قال تعالى : " فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون " أي ومع هذه المدة الطويلة فما آمن به إلا القليل منهم
وكان كلما انقرض جيل وصوا من بعدهم بعدم الإيمان به ومحاربته ومخالفته وكان الوالد إذا بلغ ولد وعقل عنه كلامه ، وصاه فيما بينه وبينه ، ألا يؤمن بنوح أبداً ما عاش ودائماً ما بقي
وكانت سجاياهم تأبى الإيمان وإتباع الحق ، ولهذا قال : " ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا "
ولهذا : " قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين * قال إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين " أي إنما يقدر على ذلك الله عز وجل ، فإنه الذي لا يعجزه شيء ولا يكترثه أمر ، بل هو الذي يقول للشيء كن فيكون
" ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون " أي من يرد الله فتنته فلن يملك أحد هدايته ، هو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء ، وهو الفعال لما يريد ، وهو العزيز الحكيم ، العليم بمن يستحق الهداية ومن يستحق الغواية ، وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة
* * *
" وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن " تسلية له عما كان منهم إليه ، " فلا تبتئس بما كانوا يفعلون " وهذه تعزية لنوح عليه السلام في قومه أنه لن يؤمن منهم إلا من قد آمن ، أي لا يسوءنك ما جرى فإن النصر قريب والنبأ عجب عجيب
" واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون "
وذلك أن نوحاً عليه السلام يئس من صلاحهم وفلاحهم ، ورأي أنهم لا خير فيهم وتوصلوا إلى أذيته ومخالفته وتكذيبه بكل طريق ، من فعال ومقال ، دعا عليهم دعوة غضب الله عليهم فلبى الله دعوته وأجاب طلبته ، قال الله تعالى : " ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون * ونجيناه وأهله من الكرب العظيم " وقال تعالى : " ونوحا إذ نادى من قبل فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم " وقال تعالى : " قال رب إن قومي كذبون * فافتح بيني وبينهم فتحا ونجني ومن معي من المؤمنين " ، وقال تعالى : " فدعا ربه أني مغلوب فانتصر " وقال تعالى : " قال رب انصرني بما كذبون " وقال تعالى : " مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا * وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا * إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا "
فاجتمع عليهم خطاياهم من كفرهم وفجورهم ودعوة نبيهم عليهم
فعند ذلك أمره الله تعالى أن يصنع الفلك ، وهي السفينة العظيمة التي لم يكن لها نظير قبلها ولا يكون بعدها مثلها
وقدم الله تعالى إليه أن إذا جاء أمره ، وحل بهم بأسه الذي لا يرد عن القوم المجرمين ، أنه يعاوده فيهم ولا يراجعه ، فإنه لعله قد يدركه رقة على قومه عند معاينة العذاب النازل بهم ، فإنه ليس الخبر كالمعاينة ولهذا قال : " ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون "
" ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه " أي يستهزئون منه استبعاداً لوقوع ما توعدهم به ، " قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون " أي نحن الذين نسخر منكم وتتعجب منكم في إستمراركم على كفركم وعنادكم الذي يقتضي وقوع العذاب بكم وحلوله عليكم " فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم "
وقد كانت سجاياهم الكفر الغليظ والعناد البالغ في الدنيا ، وهكذا في الآخرة فإنهم يجحدون أيضاً أن يكون جاءهم رسول
كما قال البخاري : حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا عبد الواحد بن زياد ، حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يجيء نوح عليه السلام وأمته ، فيقول الله عز وجل : هل بلغت ؟ فيقول ، أي رب فيقول لأمته : هل بلغكم ؟ فيقولون : لا ، ما جاءنا من نبي ، فيقول لنوح : من يشهد لك ؟ ! فيقول : محمد وأمته فنشهد أنه قال بلغ " وهو قوله تعالى : " وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا "
والوسط العدل فهذه الأمة تشهد على شهادة نبيها الصادق والمصدوق ، بأن الله قد بعث نوحاً بالحق ، وأنزل عليه الحق وأمره به ، وأنه بلغه إلى أمته على أمل الوجوه وأتمها ، ولم يدع شيئاً مما ينفعهم في دينهم إلا وقد أمرهم به ، ولا شيئاً مما قد يضرهم إلا وقد نهاهم عنه وحذرهم منه
وهكذا شأن جميع الرسل ، حتى إنه حذر قومه المسيح الدجال ، وإن كان لا يتوقع خروجه في زمانهم ، حذراً عليهم وشفقة ورحمة بهم
كما قال البخاري : حدثنا عبدان ، حدثنا عبد الله ، عن يونس ، عن الزهري ، قال سالم : قال ابن عمر : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ، ثم ذكر الدجال فقال : " إني لأنذركموه ، وما من نبي إلا وقد أنذره قومه لقد أنذره نوح قومه ، ولكني أقول لكم فيه قولاً لم يقله نبي لقومه : تعلمون أنه أعور ، وأنه الله ليس بأعور "
وهذا الحديث في الصحيحين أيضاً من حديث شيبان بن عبد الرحمن عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ألا أحدثكم عن الدجال حديثاً ما حدث نبي قومه ؟ إنه أعور وإنه يجيء معه بمثال الجنة والنار والتي يقول عليها الجنة هي النار ، وإني أنذركم كما أنذر به نوح قومه " لفظ البخاري
وقد قال بعض علماء السلف : لما استجاب الله له ، أمره أن يغرس شجراً ليعمل منه السفينة ، فغرسه وانتظره مائة سنة ، ثم نجره في مائة أخرى ، وقيل في أربعين سنة والله أعلم
قال محمد بن إسحاق عن الثوري : وكان من خشب الساج ، وقيل من الصنوبر وهو نص التوراة
قال الثوري : وأمره أن يجعل طولها ثمانين ذراعاً ، وأن يطلي ظاهرها وباطنها بالقار ، وأن يجعل لها جؤجؤاً أزور يشق الماء
وقال قتادة : كان طولها ثلاثمائة ذراع في عرض خمسين ذراعاً وهذا الذي في التوراة على ما رأيته وقال الحسن البصري : ستمائة في عرض ثلاثمائة ، وعن ابن عباس ألف ومائتا ذراع في عرض ستمائة ذراع ، وقيل كان طولها ألفي ذراع ، وعرضها مائة ذراع
قالوا كلهم ، وكان ارتفاعها ثلاثين ذراعاً ، وكانت ثلاث طبقات كل واحدة عشرة أذرع ، فالسفلى للدواب والوحوش ، والوسطى للناس ، والعليا للطيور ، وكان بلبها في عرضها ، ولها غطاء من فوقها مطبق عليها
قال الله تعالى : " قال رب انصرني بما كذبون * فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا " أي بأمرنا لك ، بمرأى منا لصنعتك لها ، ومشاهدتنا لذلك ، لنرشدك إلى الصواب في صنعتها
" فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون "
فتقدم إليه بأمر العظيم العالي أنه إذا جاء أمره وحل بأسه ، أن يحمل في هذه السفينة من كل زوجين اثنين من الحيوانات ، وسائر ما فيه روح من المأكولات وغيرها لبقاء نسلها ، وإن يحمل معه أهله ، أي أهل بيته ، إلا من سبق عليه القول منهم ، أي إلا من كان كافراً فإنه قد نفذت فيه الدعوة التي لا ترد ، ووجب عليه حلول البأس الذي لا يرد ، وأمر أنه لا يراجعه فيهم إذا حل بهم ما يعاينه من العذاب العظيم ، الذي قد حتمه عليهم الفعال لما يريد كما قدمنا بيانه قبل
والمراد بالتنور عند الجمهور وجه الأرض ، أي نبعت الأرض من سائر أرجائها حتى نبعت التنانير التي هي محال النار ، وعن ابن عباس التنور عين في الهند ، وعن الشعبي ، بالكوفة وعن قتادة : بالجزيرة
وقال علي بن أبي طالب : المراد بالتنور فلق الصبح وتنوير الفجر ، أي إشراقة وضياؤه أي عند ذلك فاحمل فيها من كل زوجين اثنين ، وهذا قول غريب
وقوله تعالى : " حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل " هذا أمر بأنه عند حلول النقمة بهم أن يحمل فيها من كل زوجين اثنين
وفي كتاب أهل الكتاب : أنه أمر أن يحمل كل ما يؤكل سبعة أزواج ، ومالا يؤكل زوجين : ذكر وأنثى
وهذا مغاير لمفهوم قوله تعالى في كتابنا الحق : " اثنين " إن جعلنا ذلك مفعولاً به ، وأما إن جعلناه توكيداً لزوجين والمفعول به محذوف فلا ينافي والله أعلم
وذكر بعضهم - ويروى عن ابن عباس : أن أول ما دخل من الطيور الدرة وآخر ما دخل من الحيوانات الحمار ، ودخل إبليس متعلقاً بذنب الحمار
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبدالله بن صالح ، حدثني الليث ، حدثني هشام ابن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لما حمل نوح السفينة من كل زوجين اثنين ، قال أصحابه ، وكيف نطمئن ؟ - أي كيف تطمئن المواشي ومعنا الأسد ؟ - فسلط الله عليه الحمى ، فكانت أول حمى نزلت في الأرض ثم شكوا الفأرة ، فقالوا : الفويسقة تفسد علينا طعامنا ومتاعنا فأوحى الله إلى الأسد فعطس ، فخرجت الهرة منه فتخبأت الفارة منها "
هذا مرسل
وقوله : " وأهلك إلا من سبق عليه القول " أي من استجيبت فيهم الدعوة النافذة ممن كفر ، فكان منهم ابنه يام الذي غرق كما سيأتي بيانه
" ومن آمن " أي واحمل فيها من آمن بك من أمتك قال الله تعالى : " وما آمن معه إلا قليل " هذا مع طول المدة والمقام بين أظهرهم ، ودعوتهم الأكيدة ليلاً ونهاراً بضروب المقال وفنون المتطلفات والتهديد والوعيد تارة والترغيب والوعد أخرى
وقد اختلف العلماء في عدة من كان معه في السفينة
فعن ابن عباس : كانوا ثمانين نفساً معهم نساؤهم ، وعن كعب الأحبار : كانوا اثنين وسبعين نفساً وقيل كانوا عشرة
وقيل إنما كانوا نوحاً وبينه الثلاثة وكنائنه الأربع بامرأة يام الذي انخزل وانعزل ، وسلك عن طريق النجاة فما عدل إذ عدل
وهذا القول فيه مخالف لظاهر الآية ، بل هي نص في أنه قد ركب معه من غير أهله طائفة ممن آمن به ، كما قال : " ونجني ومن معي من المؤمنين " وقيل كانوا سبعة
وأما امرأة نوح وهي أم أولاده كلهم : وهم حام ، وسام ، ويافث ، ويام ، ويسميه أهل الكتاب كنعان وهو الذي قد غرق ، و عابر فقد ماتت قبل الطوفان ، وقيل إنها غرقت مع من غرق ، وكانت ممن سبق عليه القول لكفرها
وعند أهل الكتاب أنها كانت في السفينة ، فيحتمل أنها كفرت بعد ذلك ، أو أنها أنظرت ليوم القيامة ، والظاهر الأول لقوله : " لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا "
قال الله تعالى : " فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين * وقل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين "
أمره أن يحمد ربه على ما سخر له من هذه السفينة ، فنجاه بها وفتح بينه وبين قومه ، وأقر عينه ممن خالفه وكذبه ، كما قال تعالى : " والذي خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون * لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين * وإنا إلى ربنا لمنقلبون "
وهكذا يؤمر بالدعاء في ابتداء الأمر : أن يكون على الخير والبركة ، وأن تكون عاقبتها محمودة ، كما قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم حين هاجر : " وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا "
وقد امتثل نوح عليه السلام هذه الوصية وقال : " اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها إن ربي لغفور رحيم " أي على أسم الله ابتداء سيرها ونتهاؤه " إن ربي لغفور رحيم " أي وذو عقاب أليم ، مع كونه غفوراً رحيماً ، لا يرد بأسه عن القوم المجرمين ، كما أحل بأهل الأرض الذين كفروا به وعبدوا غيره
قال الله تعالى : " وهي تجري بهم في موج كالجبال " وذلك أن الله تعالى أرسل من السماء مطراً لم تعهده الأرض قبله ولا تمطره بعده ، كان كأفواه القرب ، وأمر الأرض فنبعت من جميع فجاجها وسائر أرجائها كما قال تعالى : " فدعا ربه أني مغلوب فانتصر * ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر * وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر * وحملناه على ذات ألواح ودسر " والدسر المسامير " تجري بأعيننا " أي بحفظنا وكلاءتنا وحراستنا ومشاهدتنا لها " جزاء لمن كان كفر "
وقد ذكر ابن جرير وغيره : أن الطوفان كان في ثالث عشر من شهر آب في حساب القبط
وقال تعالى : " إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية " أي السفينة " لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية "
قال جماعة من المفسرين : ارتفع الماء على أعلى جبل في الأرض خمسة عشر ذراعاً ، وهو الذي عند أهل الكتاب وقيل : ثمانين ذراعاً ، وعم جميع الأرض طولها والعرض ، سهلها وحزنها ، وجبالها وقفارها ورمالها ، ولم يبق على وجه الأرض ممن كان بها من الأحياء عين تطرف ، ولا صغير ولا كبير
قال الإمام مالك عن زيد بن أسلم : كان أهل ذلك الزمان قد ملئوا السهل والجبل ، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : لم تكن بقعة في الأرض إلا ولها مالك وحائز
رواهما ابن أبي حاتم
" ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين * قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين "
وهذا الابن هو يام أخو سام وحام ويافث ، وقيل اسمه كنعان وكان كافراً عمل عملاً غير صالح ، فخالف أباه في دينه ، فهلك مع من هلك هذا وقد نجال مع أبيه الأجانب في النسب ، لما كانوا موافقين في الدين والمذهب
" وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين "
أي لما فرغ من أهل الأرض ، ولم يبق بها أحد ممن عبد غير الله عز وجل ، أمر الله الأرض أن تبتلع ماءها ، وأمر السماء أن تقلع أي تمسك عن المطر " وغيض الماء " أي نقص عما كان " وقضي الأمر " أي وقع بهم الذي كان قد سبق في علمه وقدره ، من إحلاله بهم ما حل بهم
" وقيل بعدا للقوم الظالمين " أي نودي عليهم بلسان القدرة : بعداً لهم من الرحمة والمغفرة
كما قال تعالى : " فكذبوه فأنجيناه والذين معه في الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوما عمين "
وقال تعالى : " فكذبوه فنجيناه ومن معه في الفلك وجعلناهم خلائف وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا فانظر كيف كان عاقبة المنذرين "
وقال تعالى : " فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون * ثم أغرقنا بعد الباقين * إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم "
وقال تعالى : " فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين "
وقال تعالى : " ثم أغرقنا الآخرين "
وقال : " ولقد تركناها آية فهل من مدكر * فكيف كان عذابي ونذر * ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر "
وقال تعالى : " مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا * وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا * إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا "
وقد استجاب الله تعالى - وله الحمد والمنة - دعوته ، فلم يبق منهم عين تطرف
وقد روى الإمامان أبو جعفر بن جرير ، وأبو محمد بن أبي حاتم في تفسيريهما من طريق يعقوب بن محمد الزهري ، عن قائد مولى عبد الله بن أبي رافع ، أن إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي ربيعة أخبره أن عائشة أم المؤمنين أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " فلو رحم الله من قوم نوح أحداً لرحم أم الصبي " !
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مكث نوح عليه السلام في قومه ألف سنة - يعني إلا خمسين عاماً - وغرس مائة سنة الشجر ، فعظمت وذهبت كل مذهب ، ثم قطعها ثم جعلها سفينة ، ويمرون عليه ويسخرون منه ، ويقولون : تعمل سفينة في البر ، كيف تجري ؟ قال : سوف تعلمون
فما فرغ ونبع الماء وصار في السكك خشيت أم الصبي عليه وكانت تحبه حباً شديداً ، فخرجت به إلى الجبل حتى بلغت ثلثه ، فلما بلغها الماء خرجت به حتى استوت على الجبل ، فلما بلغ الماء قبتها رفعته بيديها فغرقا ، فلو رحم الله منهم أحداً لرحم أم الصبي " !
وهذا حديث غريب وقد روى عن كعب الأحبار ومجاهد وغير واحد شبيه لهذه القصة وأخرى بهذا الحديث أن يكون موقوفاً متلقى عن مثل كعب الأحبار والله أعلم
والمقصود أن الله لم يبق من الكفارين دياراً
فكيف يزعم بعض المفسرين أن عوج بن عنق - ويقال ابن عناق - كان موجوداً من قبل نوح إلى زمان موسى ويقولون : كان كافراً متمرداً جباراً عنيداً ويقولون : كان لغير رشدة بل ولدته أمه بنت آدم من زنى ، وأنه كان يأخذ من طوله السمك من قرار البحار ويشويه في عين الشمس ، وأنه كان يقول لنوح وهو في السفينة : ما هذه القصة التي لك ؟ ويستهزئ به ويذكرونه أنه كان طوله ثلاثة آلاف ذراع وثلاثمائة وثلاثة وثلاثين ذراعاً وثلثاً ، إلى غير ذلك من الهذايانات التي لولا أنها مسطرة في كثير من كتب التفاسير وغيرها من التواريخ وأيام الناس لما تعرضنا لحكايتها ، لسقاطتها وركاكتها ، ثم إنها مخالفة للمعقول والمنقول
أما المعقول : فكيف يسوغ فيه أن يهلك الله ولد نوح لكفره ، وأبوه نبي الأمة وزعيم أهل الإيمان ، ولا يهلك عوج بن عنق ، ويقال عناق ، وهو أظلم وأطغى على ماذكروا
وكيف لا يرحم الله منهم أحداً ولا أم الصبي ، ويترك هذا الدعي الجبار العنيد الفاجر ، والشديد الكافر ، الشيطان المريد على ما ذكروا ؟
وأما المنقول فقد قال الله تعالى : " ثم أغرقنا الآخرين " وقال : " رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا "
ثم هذا الطول الذي ذكروه مخالف لما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله خلق آدم وطوله ستون ذراعاً ، ثم لم يزل الخلق ينقص حتى الآن "
فهذا نص الصادق المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى " إن هو إلا وحي يوحى " إنه لم يزل الخلق ينقص حتى الآن أي لم يزل الناس في نقصان في طولهم من آدم إلى يوم إخباره بذلك وهلم جرا إلى يوم القيامة 0 وهذا يقتضي أنه لم يوجد من ذرية آدم من كان أطول منه
فكيف يترك هذا ويذهل عنه ويصار إلى أقوال الكذبة الكفرة من أهل الكتاب ، الذين بدلوا كتب الله المنزلة وحرفوها وأولوها ووضعوها ووضعوها على غير مواضعها ؟ فما ظنك بما هم يستقلون بنقله أو يؤتمنون عليه وهم الخونة والكذبة عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة ، وما أظن أن هذا الخبر عن عوج بن عناق إلا اختلاقاً من بعض زنادقتهم وفجارهم الذين كانوا أعداء الأنبياء والله أعلم
ثم ذكر الله تعالى مناشدة نوح ربه في ولده ، وسؤاله له عن غرقه على وجه الإستعلام والإستكشاف
ووجه السؤال : أنك وعدتني بنجاة أهلى معي وهو منهم وقد غرق ؟
فأجيب بأنه ليس من أهلك ، أي الذين وعدت بنجاتهم أي إنا قلنا لك : " وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم " فكان هذا ممن سبق عليه القول منهم بأنه سيغرق بكفره ، ولهذا ساقته الأقدار إلى أن انحاز عن حوزة أهل الإيمان ، فغرق مع حزبه أهل الكفر والطغيان
ثم قال تعالى : " قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم "
هذا أمر لنوح عليه السلام لما نضب الماء عن وجه الأرض ، وأمكن السعي فيها والإستقرار عليها ، أن يهبط من السفينة التي كانت قد استقرت بعد سيرها العظيم على ظهر جبل الجودي وهو جبل بأرض الجزيرة مشهور : " بسلام منا وبركات " أي أهبط سالماً مباركاً عليك ، وعلى أمم من سيولد بعد ، أي من أولادك ، فإن الله لم يجعل لأحد ممن كان معه من المؤمنين نسلاً ولا عقباً سوى نوح عليه السلام قال تعالى : " وجعلنا ذريته هم الباقين " ، فكل من على وجه الأرض اليوم من سائر أجناس بني آدم ، ينسبون إلى أولاد نوح وهم : سام ، وحام ، ويافث
قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الوهاب ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " سام أبو العرب ، وحام أبو الحبش ، ويافث أبو الروم "
ورواه الترمذي عن بشر بن معاذ العقدي ، عن يزيد بن زريع ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة مرفوعاً نحوه
وقال الشيخ أبو عمر بن عبد البر : وقد روى عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله قال : والمراد بالروم هنا الروم الأول وهم اليونان المنتسبون إلى رومي بن لبطي بن يونان بن يافث ابن نوح عليه السلام
ثم روى من حديث إسماعيل بن عياش ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، أنه قال : ولد نوح ثلاثة : سام ويافث وحام ، وولد كل واحد من هذه الثلاثة ثلاثة : فولد سام : العرب وفارس والروم ، وولد يافث : الترك والصقالبة ويأجوج ومأجوج ، وولد حام : القبط والسودان والبربر
قلت : وقد قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده : حدثنا إبراهيم بن هانىء وأحمد بن حسين ابن عباد أبو العباس قالا : حدثنا محمد بن يزيد بن سنان الرهاوي : حدثني أبي عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ولد لنوح : سام وحام ويافث ، فولد لسام العرب وفارس الروم والخير فيهم ، وولد ليافث : يأجوج ومأموج والترك والصقالبة ولا خير فيهم وولد لحام : القبط والبربر والسودان "
ثم قال : لا نعلم يروى مرفوعاً إلى من هذا الوجه ، تفرد به عن محمد بن يزيد بن سنان عن أبيه ، وقد حدث عنه جماعة من أهل العلم واحتملوا حديثه ورواه غيره عن يحيى بن عسيد مرسلاً ولم يسنده ، وإنما جعله من قول سعيد
قلت : وهذا الذي ذكره أبو عمر ، هو المحفوظ عن سعيد قوله : " وهكذا روى عن وهب ابن منبه مثله " والله أعلم ، ويزيد بن سنان أبو فروة الرهاوي ضعيف بمرة لا يعتمد عليه
وقد قيل : إن نوحاً عليه السلام لم يولد له هؤلاء الثلاثة الأولاد إلا بعد الطوفان ، وإنما ولد له قبل السفينة كنعان الذي غرق ، و عابر مات قبل الطوفان
والصحيح أن الأولاد الثلاثة كانوا معه في السفينة هم ونساؤهم وأمهم وهو نص التوراة وقد ذكر أن حاماً واقع امرأته في السفينة ، فدعا عليه نوح أن تشوه خلقه نطفته ، فولد له ولد أسود هو كنعان بن حام جد السودان ، وقيل بل رأى أباه نائماً وقد بدت عورته فلم يسترها وسترها أخوه ، فلهذا دعا عليه أن تغير نطفته ، وأن يكون أولاده عبيداً لإخوته
وذكر الإمام أبو جعفر بن جرير من طريق علي بن زيد بن جدعان عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس أنه قال : قال الحواريون لعيسى ابن مريم : لو بعثت لنا رجلاً شهد السفينة فحدثنا عنها قال : فانطلق بهم حتى أتي إلى كثيب من تراب ، فأخذ كفا من ذلك التراب بكفه وقال أتدرون ما هذا ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : هذا كعب حام بن نوح قال : وضرب الكثيب بعصاه وقال : قم بإذن الله فإذا هو قائم ينفض التراب عن رأسه قد شاب ، فقال له عيسى عليه السلام ، هكذا هلكت ؟ قال : لا ، ولكني مت وأنا شاب ، ولكني ظننت أنها الساعة فمن ثم شبت
قال : حدثنا عن سفينة نوح قال : كان طولها ألف ذراع ومائتي ذراع ، وعرضها ستمائة ذراع ، وكانت ثلاث طبقات : فطبقة فيها الدواب والوحش وطبقة فيها الإنس ، وطبقة فيها الطير فلما كثر أرواث الدواب أوحى الله عز وجل إلى نوح عليه السلام أن اغمز ذنب الفيل ، فغمزه فوقع منه خنزير وخنزيرة ، فأقبلا على الروث ، ولما وقع الفأر يخرز السفينة بقرضه ، أوحى الله عز وجل إلى نوح عليه السلام : أن أضرب بين عيني الأسد ، فخرج من منخرة سنور وسنورة فأقبلا على الفأر فقال له عيسى : كيف علم نوح عليه السلام أن البلاد قد غرقت ؟ قال : بعث الغراب يأتيه بالخبر فوجد جيفة فوقع عليها فدعا عليه بالخوف فلذلك لا يألف البيوت
قال : ثم بعث الحمامة فجاءت بورق زيتون بمنقارها وطين برجلها فعلم أن البلاد قد غرقت فطوقها الخضرة التي في عنقها ، ودعا لها أن تكون في أنس وأمان ، فمن ثم تألف البيوت قال : فقالوا : يا رسول الله ألا ننطلق به إلى أهلينا فيجلس معنا ويحدثنا ؟ قال : كيف يتبعكم من لا رزق له ؟ قال : فقال له : عد بإذن الله فعاد تراباً وهذا أثر غريب جداً
وروى علباء بن أحمر ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : كان مع نوح في السفينة ثمانون رجلاً معهم أهلوهم ، وإنهم كانوا في السفينة مائة وخمسون يوماً ، وإن الله وجه السفينة إلى مكة فدارت بالبيت أربعين يوماً ، ثم وجهها إلى الجودي فاستقرت عليه ، فبعث نوح عليه السلام الغراب ليأتيه بخبر الأرض ، فذهب فوقع على الجيف فأبطأ عليه ، فبعث الحمامة فأتته بورق الزيتون ولطخت رجليها بالطين ، فعرف نوح أن الماء قد نضب ، فهبط إلى أسفل الجودى فابتني قرية وسماها ثمانين ، فأصبحوا ذات يوم وقد تبلبلت ألسنتهم على ثمانين لغة ، إحداها العربية ، وكان بعضهم لا يفقه كلام بعض فكان نوح عليه السلام يعبر عنهم
وقال قتادة وغيره : ركبوا في السفينة في اليوم العاشر من شهر رجب فساروا مائة وخمسين يوماً ، واستقرت بهم على الجودي شهراً وكان خروجهم من السفينة في يوم عاشوراء من المحرم ، وقد روى ابن جرير خبراً مرفوعاً يوافق هذا ، وأنهم صاموا يومهم ذلك
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو جعفر ، حدثنا عبد الصمد بن حبيب الأزدي عن أبيه حبيب ابن عبد الله ، عن شبل ، عن أبي هريرة قال : مر النبي صلى الله عليه وسلم بأناس من اليهود وقد صاموا يوم عاشوراء ، فقال : " ما هذا الصوم " ؟ فقال : هذا اليوم الذي نجى الله فيه موسى وبني إسرائيل من الغرق ، وغرق فيه فرعون ، وهذا اليوم استوت فيه السفينة على الجودى ، فصامه نوح وموسى عليهما السلام شكراً لله عز وجل : فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أنا أحق بموسى وأحق بصوم هذا اليوم " وقال لأصحابه : " ومن كان منكم أصبح صائماً فليتم صومه ، ومن كان منكم قد أصاب من غذ أهله فليتم بقية صومه "
وهذا الحديث له شاهد في الصحيح من وجه آخر ، والمستغرب ذكر نوح أيضاً والله أعلم
وأما ما يذكره كثير من الجهلة أنهم أكلوا من فضول أزوادهم ، ومن حبوب كانت معهم قد استصحبوها ، وطحنوا الحبوب يومئذ ، واكتحلوا بالإثمد لتقوية أبصارهم لما انهارت من الضياء بعد ما كانوا في ظلمة السفينة - فكل هذا لا يصح فيه شيء - وإنما يذكر فيه آثار منقطعة عن بني إسرائيل لا يعتمد عليها ولا يقتدى بها والله أعلم
وقال محمد بن إسحاق : لما أراد الله أن يكف ذلك الطوفان أرسل ريحاً على وجه الأرض ، فسكن الماء وانسدت ينابيع الأرض ، فجعل الماء ينقص ويغيض ويدبر ، وكان استواء الفلك على الجودي - فيما يزعم أهل التوراة - في الشهر السابع عشر ليلة مضت منه وفي أول يوم من الشهر العاشر رئيت رؤس الجبال فلما مضى بعد ذلك أربعون يوماً فتح نوح كوة الفلك التي صنع فيها ، ثم أرسل الغراب لينظر له ما فعل الماء فلم يرجع إليه ، فأرسل الحمامة فرجعت إليه ولم يجد لرجلها موضعاً ، فبسط يده للحمامة فأخذها فأدخلها ، ثم مضت سبعة أيام ثم أرسلها لتنظر له ما فعل الماء فلم ترجع ، فرجعت حين أمست وفي فيها ورق زيتونة ، فعلم نوح أن الماء قد قل عن وجه الأرض ثم مكث سبعة أيام ثم أرسلها فلم ترجع إليه ، فعلم نوح أن الأرض قد برزت ، فلما كملت السنة فيما بين أن أرسل الله الطوفان إلى أن أرسل نوح الحمامة ودخل يوم واحد من الشهر الأول من سنة اثنين ، برز وجه الأرض ، وظهر البر وكشف نوح غطاء الفلك
وهذا الذي ذكره ابن إسحاق هو بعينه مضمون سياق التوراة التي بأيدي أهل الكتاب
وقال ابن إسحاق : وفي الشهر الثاني من سنة اثنين في ست وعشرين ليلة منه " قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم "
وفيما ذكر أهل الكتاب أن الله كلم نوحاً قائلاً له : اخرج من الفلك أنت وامرأتك وبنوك ونساء بنيك معك ، وجميع الدواب التي معك ، ولينموا وليكثروا في الأرض فخرجوا وابنتي نوح مذبحاً لله عز وجل وأخذ من جميع الدواب الحلال والطير الحلال فذبحها قرباناً إلى الله عز وجل وعهد الله إليه ألا يعيد الطوفان على أهل الأرض وجعل تذكاراً لميثاقه إليه القوس الذي في الغمام ، وهو قوس قزح الذي روى عن ابن عباس أنه أمان من الغرق قال بعضهم : فيه إشارة إلى أنه قوس بلا وتر ، أي أن هذا الغمام لا يوجد طوفان كأول مرة
وقد أنكر طائفة من جهلة الفرس وأهل الهند وقوع الطوفان ، واعترف به آخرون منهم وقالوا : إنما كان بأرض بابل ولم يصل إلينا قالوا ولم نزل نتوارث الملك كابراً عن كابر ، من لدن كيومث - يعنون آدم - إلى زماننا هذا
وهذا قاله من قاله من زنادقة المجوس عباد النيران وأتباع الشيطان وهذه سفسطة منهم وكفر فظيع وجهل بليغ ، ومكابرة للمحسوسات ، وتكذيب لرب الأرض والسموات
وقد أجمع أهل الأديان الناقلون عن رسل الرحمن ، مع ما تواتر عند الناس في سائر الأزمان ، على وقوع الطوفان ، وأنه عم جميع البلاد ، ولم يبق الله أحداً من كفرة العباد ، استجابة لدعوة نبيه المؤيد المعصوم ، وتنفيذاً لما سبق في القدر المحتوم
ثم ذكر الله تعالى مناشدة نوح ربه في ولده ، وسؤاله له عن غرقه على وجه الإستعلام والإستكشاف
ووجه السؤال : أنك وعدتني بنجاة أهلى معي وهو منهم وقد غرق ؟
فأجيب بأنه ليس من أهلك ، أي الذين وعدت بنجاتهم أي إنا قلنا لك : " وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم " فكان هذا ممن سبق عليه القول منهم بأنه سيغرق بكفره ، ولهذا ساقته الأقدار إلى أن انحاز عن حوزة أهل الإيمان ، فغرق مع حزبه أهل الكفر والطغيان
ثم قال تعالى : " قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم "
هذا أمر لنوح عليه السلام لما نضب الماء عن وجه الأرض ، وأمكن السعي فيها والإستقرار عليها ، أن يهبط من السفينة التي كانت قد استقرت بعد سيرها العظيم على ظهر جبل الجودي وهو جبل بأرض الجزيرة مشهور : " بسلام منا وبركات " أي أهبط سالماً مباركاً عليك ، وعلى أمم من سيولد بعد ، أي من أولادك ، فإن الله لم يجعل لأحد ممن كان معه من المؤمنين نسلاً ولا عقباً سوى نوح عليه السلام قال تعالى : " وجعلنا ذريته هم الباقين " ، فكل من على وجه الأرض اليوم من سائر أجناس بني آدم ، ينسبون إلى أولاد نوح وهم : سام ، وحام ، ويافث
قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الوهاب ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " سام أبو العرب ، وحام أبو الحبش ، ويافث أبو الروم "
ورواه الترمذي عن بشر بن معاذ العقدي ، عن يزيد بن زريع ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة مرفوعاً نحوه
وقال الشيخ أبو عمر بن عبد البر : وقد روى عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله قال : والمراد بالروم هنا الروم الأول وهم اليونان المنتسبون إلى رومي بن لبطي بن يونان بن يافث ابن نوح عليه السلام
ثم روى من حديث إسماعيل بن عياش ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، أنه قال : ولد نوح ثلاثة : سام ويافث وحام ، وولد كل واحد من هذه الثلاثة ثلاثة : فولد سام : العرب وفارس والروم ، وولد يافث : الترك والصقالبة ويأجوج ومأجوج ، وولد حام : القبط والسودان والبربر
قلت : وقد قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده : حدثنا إبراهيم بن هانىء وأحمد بن حسين ابن عباد أبو العباس قالا : حدثنا محمد بن يزيد بن سنان الرهاوي : حدثني أبي عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ولد لنوح : سام وحام ويافث ، فولد لسام العرب وفارس الروم والخير فيهم ، وولد ليافث : يأجوج ومأموج والترك والصقالبة ولا خير فيهم وولد لحام : القبط والبربر والسودان "
ثم قال : لا نعلم يروى مرفوعاً إلى من هذا الوجه ، تفرد به عن محمد بن يزيد بن سنان عن أبيه ، وقد حدث عنه جماعة من أهل العلم واحتملوا حديثه ورواه غيره عن يحيى بن عسيد مرسلاً ولم يسنده ، وإنما جعله من قول سعيد
قلت : وهذا الذي ذكره أبو عمر ، هو المحفوظ عن سعيد قوله : " وهكذا روى عن وهب ابن منبه مثله " والله أعلم ، ويزيد بن سنان أبو فروة الرهاوي ضعيف بمرة لا يعتمد عليه
وقد قيل : إن نوحاً عليه السلام لم يولد له هؤلاء الثلاثة الأولاد إلا بعد الطوفان ، وإنما ولد له قبل السفينة كنعان الذي غرق ، و عابر مات قبل الطوفان
والصحيح أن الأولاد الثلاثة كانوا معه في السفينة هم ونساؤهم وأمهم وهو نص التوراة وقد ذكر أن حاماً واقع امرأته في السفينة ، فدعا عليه نوح أن تشوه خلقه نطفته ، فولد له ولد أسود هو كنعان بن حام جد السودان ، وقيل بل رأى أباه نائماً وقد بدت عورته فلم يسترها وسترها أخوه ، فلهذا دعا عليه أن تغير نطفته ، وأن يكون أولاده عبيداً لإخوته
وذكر الإمام أبو جعفر بن جرير من طريق علي بن زيد بن جدعان عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس أنه قال : قال الحواريون لعيسى ابن مريم : لو بعثت لنا رجلاً شهد السفينة فحدثنا عنها قال : فانطلق بهم حتى أتي إلى كثيب من تراب ، فأخذ كفا من ذلك التراب بكفه وقال أتدرون ما هذا ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : هذا كعب حام بن نوح قال : وضرب الكثيب بعصاه وقال : قم بإذن الله فإذا هو قائم ينفض التراب عن رأسه قد شاب ، فقال له عيسى عليه السلام ، هكذا هلكت ؟ قال : لا ، ولكني مت وأنا شاب ، ولكني ظننت أنها الساعة فمن ثم شبت
قال : حدثنا عن سفينة نوح قال : كان طولها ألف ذراع ومائتي ذراع ، وعرضها ستمائة ذراع ، وكانت ثلاث طبقات : فطبقة فيها الدواب والوحش وطبقة فيها الإنس ، وطبقة فيها الطير فلما كثر أرواث الدواب أوحى الله عز وجل إلى نوح عليه السلام أن اغمز ذنب الفيل ، فغمزه فوقع منه خنزير وخنزيرة ، فأقبلا على الروث ، ولما وقع الفأر يخرز السفينة بقرضه ، أوحى الله عز وجل إلى نوح عليه السلام : أن أضرب بين عيني الأسد ، فخرج من منخرة سنور وسنورة فأقبلا على الفأر فقال له عيسى : كيف علم نوح عليه السلام أن البلاد قد غرقت ؟ قال : بعث الغراب يأتيه بالخبر فوجد جيفة فوقع عليها فدعا عليه بالخوف فلذلك لا يألف البيوت
قال : ثم بعث الحمامة فجاءت بورق زيتون بمنقارها وطين برجلها فعلم أن البلاد قد غرقت فطوقها الخضرة التي في عنقها ، ودعا لها أن تكون في أنس وأمان ، فمن ثم تألف البيوت قال : فقالوا : يا رسول الله ألا ننطلق به إلى أهلينا فيجلس معنا ويحدثنا ؟ قال : كيف يتبعكم من لا رزق له ؟ قال : فقال له : عد بإذن الله فعاد تراباً وهذا أثر غريب جداً
وروى علباء بن أحمر ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : كان مع نوح في السفينة ثمانون رجلاً معهم أهلوهم ، وإنهم كانوا في السفينة مائة وخمسون يوماً ، وإن الله وجه السفينة إلى مكة فدارت بالبيت أربعين يوماً ، ثم وجهها إلى الجودي فاستقرت عليه ، فبعث نوح عليه السلام الغراب ليأتيه بخبر الأرض ، فذهب فوقع على الجيف فأبطأ عليه ، فبعث الحمامة فأتته بورق الزيتون ولطخت رجليها بالطين ، فعرف نوح أن الماء قد نضب ، فهبط إلى أسفل الجودى فابتني قرية وسماها ثمانين ، فأصبحوا ذات يوم وقد تبلبلت ألسنتهم على ثمانين لغة ، إحداها العربية ، وكان بعضهم لا يفقه كلام بعض فكان نوح عليه السلام يعبر عنهم
وقال قتادة وغيره : ركبوا في السفينة في اليوم العاشر من شهر رجب فساروا مائة وخمسين يوماً ، واستقرت بهم على الجودي شهراً وكان خروجهم من السفينة في يوم عاشوراء من المحرم ، وقد روى ابن جرير خبراً مرفوعاً يوافق هذا ، وأنهم صاموا يومهم ذلك
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو جعفر ، حدثنا عبد الصمد بن حبيب الأزدي عن أبيه حبيب ابن عبد الله ، عن شبل ، عن أبي هريرة قال : مر النبي صلى الله عليه وسلم بأناس من اليهود وقد صاموا يوم عاشوراء ، فقال : " ما هذا الصوم " ؟ فقال : هذا اليوم الذي نجى الله فيه موسى وبني إسرائيل من الغرق ، وغرق فيه فرعون ، وهذا اليوم استوت فيه السفينة على الجودى ، فصامه نوح وموسى عليهما السلام شكراً لله عز وجل : فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أنا أحق بموسى وأحق بصوم هذا اليوم " وقال لأصحابه : " ومن كان منكم أصبح صائماً فليتم صومه ، ومن كان منكم قد أصاب من غذ أهله فليتم بقية صومه "
وهذا الحديث له شاهد في الصحيح من وجه آخر ، والمستغرب ذكر نوح أيضاً والله أعلم
وأما ما يذكره كثير من الجهلة أنهم أكلوا من فضول أزوادهم ، ومن حبوب كانت معهم قد استصحبوها ، وطحنوا الحبوب يومئذ ، واكتحلوا بالإثمد لتقوية أبصارهم لما انهارت من الضياء بعد ما كانوا في ظلمة السفينة - فكل هذا لا يصح فيه شيء - وإنما يذكر فيه آثار منقطعة عن بني إسرائيل لا يعتمد عليها ولا يقتدى بها والله أعلم
وقال محمد بن إسحاق : لما أراد الله أن يكف ذلك الطوفان أرسل ريحاً على وجه الأرض ، فسكن الماء وانسدت ينابيع الأرض ، فجعل الماء ينقص ويغيض ويدبر ، وكان استواء الفلك على الجودي - فيما يزعم أهل التوراة - في الشهر السابع عشر ليلة مضت منه وفي أول يوم من الشهر العاشر رئيت رؤس الجبال فلما مضى بعد ذلك أربعون يوماً فتح نوح كوة الفلك التي صنع فيها ، ثم أرسل الغراب لينظر له ما فعل الماء فلم يرجع إليه ، فأرسل الحمامة فرجعت إليه ولم يجد لرجلها موضعاً ، فبسط يده للحمامة فأخذها فأدخلها ، ثم مضت سبعة أيام ثم أرسلها لتنظر له ما فعل الماء فلم ترجع ، فرجعت حين أمست وفي فيها ورق زيتونة ، فعلم نوح أن الماء قد قل عن وجه الأرض ثم مكث سبعة أيام ثم أرسلها فلم ترجع إليه ، فعلم نوح أن الأرض قد برزت ، فلما كملت السنة فيما بين أن أرسل الله الطوفان إلى أن أرسل نوح الحمامة ودخل يوم واحد من الشهر الأول من سنة اثنين ، برز وجه الأرض ، وظهر البر وكشف نوح غطاء الفلك
وهذا الذي ذكره ابن إسحاق هو بعينه مضمون سياق التوراة التي بأيدي أهل الكتاب
وقال ابن إسحاق : وفي الشهر الثاني من سنة اثنين في ست وعشرين ليلة منه " قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم "
وفيما ذكر أهل الكتاب أن الله كلم نوحاً قائلاً له : اخرج من الفلك أنت وامرأتك وبنوك ونساء بنيك معك ، وجميع الدواب التي معك ، ولينموا وليكثروا في الأرض فخرجوا وابنتي نوح مذبحاً لله عز وجل وأخذ من جميع الدواب الحلال والطير الحلال فذبحها قرباناً إلى الله عز وجل وعهد الله إليه ألا يعيد الطوفان على أهل الأرض وجعل تذكاراً لميثاقه إليه القوس الذي في الغمام ، وهو قوس قزح الذي روى عن ابن عباس أنه أمان من الغرق قال بعضهم : فيه إشارة إلى أنه قوس بلا وتر ، أي أن هذا الغمام لا يوجد طوفان كأول مرة
وقد أنكر طائفة من جهلة الفرس وأهل الهند وقوع الطوفان ، واعترف به آخرون منهم وقالوا : إنما كان بأرض بابل ولم يصل إلينا قالوا ولم نزل نتوارث الملك كابراً عن كابر ، من لدن كيومث - يعنون آدم - إلى زماننا هذا
وهذا قاله من قاله من زنادقة المجوس عباد النيران وأتباع الشيطان وهذه سفسطة منهم وكفر فظيع وجهل بليغ ، ومكابرة للمحسوسات ، وتكذيب لرب الأرض والسموات
وقد أجمع أهل الأديان الناقلون عن رسل الرحمن ، مع ما تواتر عند الناس في سائر الأزمان ، على وقوع الطوفان ، وأنه عم جميع البلاد ، ولم يبق الله أحداً من كفرة العباد ، استجابة لدعوة نبيه المؤيد المعصوم ، وتنفيذاً لما سبق في القدر المحتوم


ذكر شيء من أخبار نوح نفسه عليه السلام
ذكر شيء من أخبار نوح نفسه عليه السلام
ذكر شيء من أخبار نوح نفسه عليه السلام
قال الله تعالى : " إنه كان عبدا شكورا " قيل : إنه كان الله على طعامه وشرابه ولباسه وشأنه كله .
وقال الإمام أحمد : حدثنا زكريا بن أبي زائدة عن سعيد بن أبي بردة ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول صلى الله عليه وسلم : " إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها " .
وكذا رواه مسلم و الترمذي و النسائي من حديث أبي أسامة .
والظاهر أن الشكور هو الذي يعمل بجميع الطاعات القلبية والقولية والعملية ، فإن الشكر يكون بهذا وبهذا كما قال الشاعر :
أفادتكم النعماء منى ثلاثة يدي ولساني والضمير الحجبا
ذكر صومه عليه السلام
وقال ابن ماجه باب صيام نوح عليه السلام : حدثنا سهل بن أبي سهل ، حدثنا سعيد ابن أبي مريم ، عن ابن لهيعة ، عن جعفر بن ربيعة ، عن أبي فراس ، أنه سمع عبد الله بن عمر يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " صام نوح الدهر إلا يوم عيد الفطر ويوم عيد الأضحى " .
وهكذا رواه ابن ماجه عن طريق عبد الله بن لهيعة بإسناده ولفظه .
وقد قال الطبراني : حدثنا أبو الزنباع روح بن فرج ، حدثنا عمر بن خالد الحراني ، حدثنا ابن لهيعة ، عن أبي قتادة ، عن يزيد بن رباح أبي فراس ، أنه سمع عبد الله بن عمرو يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " صام نوح الدهر إلا يوم الفطر والأضحى ، وصام داود نصف الدهر ، وصام إبراهيم ثلاثة أيام من كل شهر ، صام الدهر وأفطر الدهر " .
ذكر حجه عليه السلام
وقال الحافظ أبو يعلي : حدثنا سفيان بن وكيع ، حدثنا أبي ، عن زمعة - وهو ابن أبي صالح - عن سلمة بن دهران ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : حج رسول الله صلى الله عليه سلم فلما أتى وادي عسفان قال : " يا أبا بكر . . أي واد هذا " ؟ قال : هذا وادي عسفان . قال : " لقد مر بهذا نوح وهود وإبراهيم علي بكران لهم حمر خطمهم الليف ، أزرهم العباء وأرديتهم النمار ، يحجون البيت العتيق " فيه غرابة .
* * *
ذكر وصيته لولده عليه السلام
قال الإمام أحمد : حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا حماد بن زيد ، عن الصقعب بن زهير عن زيد بن أسلم ، قال حماد : أظنه عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عمر قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل من أهل البادية عليه جبة سيحان مزرورة بالديباج فقال : " ألا إن صاحبكم هذا قد وضع كل فارس ابن فارس - أو قال : يريد أن يضع كل فارس ابن فارس - ورفع كل راع ابن راع " .
قال : فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجامع جبته وقال : " ألا أرى عليك لباس من لا يعقل " ؟ ثم قال : " إن نبي الله نوحاً عليه السلام لما حضرته الوفاة قال لابنه : إن قاص عليك وصية : آمرك باثنتين وأنهاك عن اثنتين : آمرك بلا إله إلا الله ، فإن السموات السبع والأرضين السبع لو وضعت في كفة ، ووضعت لا إله إلا الله في كفة رجحت بهن لا إله إلا الله . ولو أن السموات السبع والأرضين السبع كن حلقة مبهمة ضمتين لا إله إلا الله ، وبسبحان الله وبحمده ، فإن بها صلات كل شيء ، وبها يرزق الخلق ، وأنهاك عن الشرك والكبر " .
قال : قلت - أو قيل - يا رسول الله ، هذا الشرك قد عرفناه ، فما الكبر ؟ أن يكون لأحدنا نعلان حسنتان لهما شراكان حسنان ؟ قال : لا قال : هو أن يكون لأحدنا حلة يلبسها ؟ قال : لا قال : هو أن يكون لأحدنا دابة يركبها ؟ قال : لا قال : هو أن يكون لأحدنا أصحاب يجلسون إليه ؟ قال : لا قلت - أو قيل - يا رسول الله . . فما الكبر ؟ قال : " سفه الحق وغمط الناس " . وهذا إسناد صحيح ولم يخرجوه .
ورواه أبو القاسم الطبراني من حديث عبد الرحيم بن سليمان ، عن محمد بن إسحاق ، عن عمرو بن دينار ، عن عبد الله بن عمرو ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كان في وصية نوح لابنه : أوصيك بخصلتين وأنهاك عن خصلتين " ، فذكر نحوه .
وقد رواه أبو بكر البزار عن إبراهيم بن سعيد ، عن أبي معاوية الضرير عن محمد بن إسحاق ، عن عمرو بن دينار ، عن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه . والظاهر أنه عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، كما رواه أحمد و الطبراني . . والله أعلم .
ويزعم أهل الكتاب أن نوحاً عليه السلام لما ركب السفينة كان عمره ستمائة سنة وقدمنا عن ابن عباس مثله ، وزاد : وعاش بعد ذلك ثلاثمائة وخمسون سنة ، وفي هذا القول نظر ، فإن القرآن يقتضي أن نوحاً مكث في قومه بعد البعثة وقبل الطوفان ألف سنة إلا خمسين عاماً ، فأخذهم الطوفان وهم ظالمون . ثم الله أعلم كم عاش بعد ذلك .
فإن كان ما ذكر محفوظاً عن ابن عباس - من أنه بعث وله أربعمائة وثمانون سنة ، وأنه عاش بعد الطوفان ثلاثمائة وخمسين سنة - فيكون قد عاش على هذا ألف سنة وسبعمائة وثمانين سنة .
وأما قبره عليه السلام : فروى ابن جرير والأزرقي عن عبد الرحمن بن سابط أو غيره من التابعين مرسلاً أن قبر نوح عليه السلام بالمسجد الحرام .
وهذا أقوى وأثبت من الذي يذكر كثير من المتأخرين ، من أنه ببلدة بالبقاع تعرف اليوم بكرك نوح وهناك جامع قد بنى بسبب ذلك فيما ذكره . . والله أعلم .


[IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/xp/LOCALS%7E1/Temp/moz-screenshot-1.jpg[/IMG][IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/xp/LOCALS%7E1/Temp/moz-screenshot-2.jpg[/IMG]


 

رد مع اقتباس
قديم 08-23-2010, 07:41 AM   #8
فريق المتابعة والتنظيم


الصورة الرمزية رمسيس
رمسيس متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 882
 تاريخ التسجيل :  Apr 2009
 أخر زيارة : 06-27-2024 (12:40 PM)
 المشاركات : 3,500 [ + ]
 التقييم :  309
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Sienna
 

افتراضي



قصة هود عليه السلام
قصة هود عليه السلام
وهو هود بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح عليه السلام
ويقال إن هوداً هو عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح ، ويقال هود بن عبد الله ابن رباح الجارود بن عاد بن عوص بن إرم ابن سام ابن نوح عليه السلام ذكره ابن جرير
وكان من قبيلة يقال لهم عاد بن عوص بن سام بن نوح ، وكانوا عرباً يسكنون الأحقاف - وهي جبال الرمل - وكانت باليمن بين عمان وحضرموت ، بأرض مطلة على البحر يقال لها الشحر واسم واديهم مغيث
وكانوا كثيراً ما يسكنون الخيام ذوات الأعمدة الضخام ، كما قال تعالى : " ألم تر كيف فعل ربك بعاد * إرم ذات العماد * التي لم يخلق مثلها في البلاد " أي مثل القبيلة ، وقيل مثل العمد والصحيح الأول كما بيناه في التفسير
ومن زعم أن إرم مدينة تدور في الأرض ، فتارة في الشام ، وتارة في اليمن ، وتارة في الحجاز ، وتارة في غيرها ، فقد أبعد النعجة ، وقال ما لا دليل عليه ، ولا برهان يعول عليه ولا مسند يركن إليه
وفي صحيح ابن حبان عن أبي ذر في حديثه الطويل في ذكر الأنبياء والمرسلين قال فيه : منهم أربعة من العرب : هو ، وصالح ، وشعيب ، ونبيك يا أبا ذر
ويقال إن هوداً عليه السلام أول من تكلم بالعربية ، وزعم وهب ابن منبه أن أباه أول من تكلم بها ، وقال غيره ك أو من تكلم بها نوح ، وقيل آدم وهو الأشبه ، وقيل غير ذلك والله أعلم
ويقال للعرب الذين كانوا قبل إسماعيل عليه السلام ، العرب العاربة ، وهم قبائل كثيرة : منهم عاد ، وثمود وجرهم ، وطسم ، وجديس ، وأميم ، ومدين ، وعملاق ، وجاسم ، وقحطان ، وبنو يقطن ، وغيرهم
وأما العرب المستعربة فهم من ولد إسماعيل بن إبراهيم الخليل وكان إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام أول من تكلم العربية الفصيحة البلغية وكان قد أخذ كلام العرب من جرهم الذي نزلوا عند أمه هاجر بالحرم كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى ، ولكن أنطقه الله بها في غاية الفصاحة والبيان وكذلك كان يتلفظ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم
* * *
والمقصود أن عاداً - وهم عاد الأولى - كانوا أول من عبد الأصنام بعد الطوفان ، وكانت أصنامهم ثلاثة صمداً ، وصموداً ، وهراً
فبعث الله فيهم أخاهم هوداً عليم السلام فدعاهم إلى الله ، كما قال تعالى بعد ذكر قوم نوح ، وما كان من أمرهم في سورة الأعراف : " وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون * قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين * قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين * أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين * أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون * قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين * قال قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان فانتظروا إني معكم من المنتظرين * فأنجيناه والذين معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين "
قال تعالى بعد ذكر قصة نوح في سورة هود : " وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إن أنتم إلا مفترون * يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون * ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين * قالوا يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين * إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون * من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون * إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم * فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ويستخلف ربي قوما غيركم ولا تضرونه شيئا إن ربي على كل شيء حفيظ * ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ * وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد * وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ألا إن عادا كفروا ربهم ألا بعدا لعاد قوم هود "
وقال تعالى في سورة قد أفلح المؤمنون بعد قصة قوم نوح : " ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين * فأرسلنا فيهم رسولا منهم أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون * وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم في الحياة الدنيا ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون * ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون * أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون * هيهات هيهات لما توعدون * إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين * إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا وما نحن له بمؤمنين * قال رب انصرني بما كذبون * قال عما قليل ليصبحن نادمين * فأخذتهم الصيحة بالحق فجعلناهم غثاء فبعدا للقوم الظالمين "
وقال تعالى في سورة الشعراء بعد قصة قوم نوح أيضاً : " كذبت عاد المرسلين * إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون * إني لكم رسول أمين * فاتقوا الله وأطيعون * وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين * أتبنون بكل ريع آية تعبثون * وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون * وإذا بطشتم بطشتم جبارين * فاتقوا الله وأطيعون * واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون * أمدكم بأنعام وبنين * وجنات وعيون * إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم * قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين * إن هذا إلا خلق الأولين * وما نحن بمعذبين * فكذبوه فأهلكناهم إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم "
وقال تعالى في سورة حم السجدة : " فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون * فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون "
وقال تعالى في سورة الأحقاف : " واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم * قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين * قال إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به ولكني أراكم قوما تجهلون * فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم * تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين " وقال تعالى في الذاريات : " وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم * ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم "
وقال تعالى في النجم : " وأنه أهلك عادا الأولى * وثمود فما أبقى * وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى * والمؤتفكة أهوى * فغشاها ما غشى * فبأي آلاء ربك تتمارى "
وقال تعالى في سورة اقتربت : " كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر * إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر * تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر * فكيف كان عذابي ونذر * ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر "
وقال في الحاقة : " وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية * سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية * فهل ترى لهم من باقية"
وقال في سورة الفجر : " ألم تر كيف فعل ربك بعاد * إرم ذات العماد * التي لم يخلق مثلها في البلاد * وثمود الذين جابوا الصخر بالواد * وفرعون ذي الأوتاد * الذين طغوا في البلاد * فأكثروا فيها الفساد * فصب عليهم ربك سوط عذاب * إن ربك لبالمرصاد "
وقد تكلمنا على كل من هذه القصص في أمكانها من كتابنا التفسير ولله الحمد والمنة
وقد جرى ذكر عاد في سورة براءة ، وإبراهيم ، والفرقان ، والعنكبوت ، وفي سورة ص ، وفي سورة ق
* * *
ولنذكر مضمون القصة مجموعاً من هذه السياقات ، مع ما يضاف إلى ذلك من الأخبار
وقد قدمنا أنهم أول الأمم الذين عبدوا الأصنام بعد الطوفان وذلك بين قوله لهم : " واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة " أي جعلهم أشد أهل زمانهم في الخلقة والشدة والبطش وقال في المؤمنون : " ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين " وهم قوم هود على الصحيح
وزعم آخرون أنهم ثمود لقوله : " فأخذتهم الصيحة بالحق فجعلناهم غثاء " قالوا : وقوم صالح هم الذين أهلكوا بالصيحة " وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية " وهذا الذي قالوه لا يمنع من اجتماع الصيحة والريح العاتية عليهم كما سيأتي في قصة أهل مدين أصحاب الأيكة فإنه اجتمع عليهم أنواع من العقوبات ، ثم لا خلاف أن عاداً قبل ثمود
والمقصود أن عاداً كانوا جفاة كافرين ، عتاة متمردين في عبادة الأصنام ، فأرسل الله فيهم رجلاً منهم يدعوهم إلى الله وإلى إفراده بالعبادة والإخلاص له ، فكذبوه وخالفوه وتنقصوه ، فأهذهم الله أخذ عزيز مقتدر
فلما أمرهم بعبادة الله ورغبهم في طاعته وإستغفاره ، ووعدهم على ذلك خير الدنيا والآخرة ، وتوعدهم على مخالفة ذلك عقوبة الدنيا والآخرة : " قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة " أي هذا الأمر الذي تدعونا إليه سفه بالنسبة إلى ما نحن عليه من عبادة هذه الأصنام التي يرتجى منها النصر والرزق ، ومع هذا نظن أنك تكذب في دعواك أن الله أرسلك
" قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين " أي ليس الأمر كما تظنون ولا تعتقدون : " أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين " والبلاغ يستلزم عدم الكذب في أصل المبلغ ، وعدم الزيادة فيه والنقص منه ، ويستلزم أداءه بعبارة فصيحة وجيزة جامعة مانعة لا لبس فيها ولا اختلاف ولا اضطراب
وهو مع هذا البلاغ على هذه الصفة في غاية النصح لقومه والشفقة عليهم والحرص على هدايتهم ، ولا يبتغي منهم أجراً ولا يطلب منهم جعلاً ، بل هو مخلص لله عز وجل في الدعوة إليه والنصح لخلقه ، لا يطلب أجره إلا من الذي أرسله ، فإن خير الدنيا والآخرة كله في يديه وأمره إليه ، ولهذا قال : " يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون " أي أما لكم عقل تميزون به وتفهمون أني أدعوكم إلى الحق المبين الذي تشهد به فطركم التي خلقتم عليها ، وهو دين الحق الذي بعث الله به نوحاً وأهلك من خالفه من الخلق وها أنا أدعوكم إليه ولا أسألكم أجراً عليه ، بل أبتغي ذلك عند الله مالك الضر والنفع ، ولهذا قال مؤمن يس : " اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون * وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون وقال قوم هود له فيما قالوا : " يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين * إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء " يقولون ما جئتنا بخارق يشهد لك بصدق ما جئت به ، ، وما نحن بالذين نترك عبادة أصنامنا عن مجرد قولك بلا دليل أقمته ولا برهان نصبته ، وما نظن إلا أنك مجنون فيما تزعمه وعندنا أنه إنما أصابك هذا لأن بعض آلهتنا غضب عليك فأصابك في عقلك فاعتراك جنون بسبب ذلك ، وهو قولهم : " إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء "
" قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون * من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون "
وهذا تحد منه لهم ، وتبرأ من آلهتهم وتنقص منه لهم ، وبيان أنها لا تنفع شيئاً ولا تضر ، وأنها جماد حكمها حكمه وفعلها فعله ، فإن كانت كما تزعمون من أنها تنصر وتنفع وتضر فها أنا بريء منها ، لاعن لها ، فكيدوني ثم لا تنظرون أنتم جميعاً بجميع ما يمكنكم أن تصلوا إليه وتقدروا عليه ، ولا تؤخروني ساعة واحدة ، ولا طرفة عين فإني لا أبالي بكم ، ولا أفكر فيكم ، ولا أنظر إليكم " إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم " أي أنا متوكل على الله ومتأيد به ، وواثق بجنابه الذي لا يضيع من لاذ به واستند إليه ، فلست أبالي مخلوقاً سواه ، لست أتوكل إلا عليه ولا أعبد إلا إياه
وهذا وحده برهان قاطع على أن هوداً عبد الله ورسوله ، وأنهم على جهل وضلال في عبادتهم غير الله ، لأنهم لم يصلوا إليه بسوء ، ولا نالوا منه مكروهاً فدل على صدقه فيما جاءهم به ، وبطلان ما هم عليه وفساد ما ذهبوا إليه
وهذا الدليل بعينه قد استدل به نوح عليه السلام قبله في قوله : " يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون "
وهكذا قال الخليل عليه السلام : " ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون * وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون * الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون * وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم "
" وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم في الحياة الدنيا ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون * ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون * أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون "
استبعدوا أن يبعث الله رسولاً بشرياً وهذه الشبهة أدلى بها كثير من جهلة الكفرة قديماً وحديثاً ، كما قال تعالى : " أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس " وقال تعالى : " وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا * قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا "
ولهذا قال لهم هود عليه السلام : " أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم " أي ليس هذا بعجيب ، فإن الله أعلم حيث يجعل رسالته
وقوله : " أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون * هيهات هيهات لما توعدون * إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين * إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا وما نحن له بمؤمنين * قال رب انصرني بما كذبون " استعبدوا الميعاد وأنكروا قيام الأجساد بعد صيرورتها تراباً وعظاماً ، وقالوا : هيهات هيهات ، أي بعيد بعيد هذا الوعد ، " إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين " أي يموت قوم ويحيا آخرون وهذا هو اعتقاد الدهرية ، كما يقول بعض الجهلة من الزنادقة : أرحام تدفع وأرض تبلع
وأما الدورية فهم الذين يعتقدون أنهم يعودون إلى هذا الدار بعد كل ستة وثلاثين ألف سنة
وهذا كله كذب وكفر وجهل وضلال ، وأقوال باطلة وخيال فاسد بلا برهان ولا دليل ، يستميل عقل الفجرة من بني آدم الذي لا يعقلون ولا يهتدون ، كما قال تعالى : " ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون "
وقال لهم فيما وعظهم به : " أتبنون بكل ريع آية تعبثون * وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون " يقول لهم : أتبنون بكل مكان مرتفع بناء عظيماً هائلاً كالقصور ونحوها ، تعبثون ببنائها لأنه لا حاجة لكم فيه ، وما ذاك إلا لأنهم كانوا يسكنون الخيام ، كما قال تعالى : " ألم تر كيف فعل ربك بعاد * إرم ذات العماد * التي لم يخلق مثلها في البلاد " فعاد إرم هم عاد الأولى الذين يسكنون الأعمدة التي تحمل الخيام
ومن زعم أن إرم مدينة من ذهب وفضة وهي تنتقل في البلاد ، فقد غلط وأخطأ وقال ما لا دليل عليه
وقوله : " وتتخذون مصانع " قيل هي القصور ، وقيل بروج الحمام ، وقيل مآخذ الماء " لعلكم تخلدون " أي رجاء منكم أن تعمروا في هذه الدار أعماراً طويلة " وإذا بطشتم بطشتم جبارين * فاتقوا الله وأطيعون * واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون * أمدكم بأنعام وبنين * وجنات وعيون * إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم "
وقالوا له مما قالوا : " أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين " أي أجئتنا لنعبد الله وحده ، ونخالف آباءنا وأسلافنا وما كانوا عليه ؟ فإن كنت صادقين فيما جئت به فأتنا بما تعدنا من العذاب والنكال ، فإنا لا نؤمن بك ولا نتبعك ولا نصدقك
كما قالوا : " سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين * إن هذا إلا خلق الأولين * وما نحن بمعذبين " أما على قراءة فتح ( الخاء ) فالمراد به اختلاق الأولين ، أي إن هذا الذي جئت به إلا اختلاق منك ، أخذته من كتب الأولين هكذا فسر غير واحد من الصحابة والتابعين وأما على قراءة ضم ( الخاء واللام ) فالمراد به الدين ، أي إن هذا الدين الذي نحن عليه إلا دين الأولين الآباء والأجداد من الأسلاف ، ولن نتحول عنه ولا نتغير ، ولا نزال متمسكين به
ويناسب كلا القراءتين الأولي والثانية قولهم : " وما نحن بمعذبين " قال : " قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان فانتظروا إني معكم من المنتظرين " أي قد استحققتم بهذا المقالة الرجس والغضب من الله ، أتعارضون عبادة الله وحده لا شريك له ، بعبادة أصنام نحتموها وسميتموها آلهة من تلقاء أنفسكم ؟ اصطلحتم عليها أنتم وآباؤكم ، ما نزل الله بها من سلطان أي لم ينزل علي ما ذهبتم إليه دليلاً ولا برهاناً وإذ أبيتم قبول الحق وتماديتم في الباطل ، وسواء عليكم أنهيتكم عما أنتم فيه أم لا ، فانتظروا الآن عذاب الله الواقع بكم ، وبأسه الذي لا يرد ونكاله الذي لا يصد
* * *
وقال تعالى : " قال رب انصرني بما كذبون * قال عما قليل ليصبحن نادمين * فأخذتهم الصيحة بالحق فجعلناهم غثاء فبعدا للقوم الظالمين " وقال تعالى : " قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين * قال إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به ولكني أراكم قوما تجهلون * فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم * تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين "
وقد ذكر الله تعالى خبر أهلاكهم في غير ما آية كما تقدم مجملاً ومفصلاً ، كقوله : " فأنجيناه والذين معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين " وكقوله : " ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ * وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد * وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ألا إن عادا كفروا ربهم ألا بعدا لعاد قوم هود " وكقوله : " فأخذتهم الصيحة بالحق فجعلناهم غثاء فبعدا للقوم الظالمين " وقوله تعالى : " فكذبوه فأهلكناهم إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم "
وأما تفصيل أهلاكهم فكما قال تعالى : " فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم " كان هذا أول ما ابتدأهم العذاب ، أنهم كانوا ممحلين مسنتين فطلبوا السقيا فرأوا عارضاً في السماء وظنوه سقيا رحمة ، فإذا هو سقيا عذاب ، ولهذا قال تعالى : " بل هو ما استعجلتم به " أي من وقوع العذاب وهو قولهم : " فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين " ومثلها في الأعراف
وقد ذكر المفسرون وغيرهم ها هنا الخبر الذي ذكر الإمام محمد بن إسحاق بن يسار ، قال : فلما أبوا إلا الكفر بالله عز وجل ، أمسلك عنهم القطر ثلاث سنين ، حتى جهدهم ذلك ، قال : وكان الناس إذا جهدهم أمر في ذلك الزمان فطلبوا من الله الفرج منه إنما يطلبونه بحرمه ومكان بيته ، وكان معروفاً عند أهل ذلك الزمان ، وبه العماليق مقيمون ، وهم من سلالة معليق بن لاوذ بن سام بن نوح ، وكان سيدهم إذا ذاك رجلاً يقال له معاوية بن بكر ، وكانت أمه من قوم عاد واسمها جلهذة ابنة الخيبري قال : فبعث عاد وفراد قريباً من سبقين رجلاً ليستسقوا لهم عند الحرم ، فمروا بمعاوية بن بكر بظاهر مكة ، فنزلوا عليه فأقاموا عنده شهراً ، يشربون الخمر ، وتغنيهم الجرادتان ، قينتان لمعاوية ، وكانوا قد وصلوا إليه في شهر فلما طال مقامهم عنده ، وأخذته شفقة على قومه ، واستحيا منهم أن يأمرهم بالإنصراف ، عمل شعراً يعرض لهم فيه بالإنصراف ، وأمر القينتين أن تغنيهم به ، فقال :
ألا يقيــــل ويحــــــك قم فهبنم لعـل الله يصبحنـا غمـــامــا
فيسقي أرض عـــاد إن عـــاداً قد أمسوا لا يبينون الكلاما
من العطش الشديد فليس نرجو به الشيخ الكبير ولا الغـلاما
وقـــد كانت نســـــــاؤهم بخير فقـد أمست نساؤهم أيامى
وأن الــوحش يــأتيهم جهــاراً ولا يخشى لعــــاد سهــامــا
وأنتم هــــاهنـــا فيما اشتهيتم نهـــاركم وليلكــم تمـــامــــا
فقبـح وفــدكم من وفــد قــوم ولا لقــوا التحيـــة والســلامــا
قال : فعند ذلك تنبه القوم لما جاءوا له فنهضوا إلى الحرم ودعوا لقومهم ، فدعا داعيهم وهو قيل بن عنز ، فأنشأ الله سحابات ثلاثة : بيضاء وحمراء وسوداء ، ثم ناداه مناد من السماء : اختر لنفسك - أو لقومك - من هذا السحاب ، فقال : اخترت السحابة السوداء فإنها أكثر السحاب ماء ، فناداه مناد : اخترت رماد رمدداً ، لا تبقى من عاد أحداً ، لا والداً يترك ولا ولداً ، إلا جعلته همداً إلا بني اللوذية الهمدا قال : وهم بطن من عاد كانوا مقيمين بمكة ، فلم يصبهم ما أصاب قومهم قال : ومن بقي من أنسابهم وأعقابهم هم عاد الآخرة
قال : وساق الله السحابة السوداء التي اختارها قيل بن عنز بما فيها من النقمة إلى عاد ، حتى تخرج عليهم من واد يقال له المغيث ، فلما رأوها استبشروا وقالوا : هذا عارض ممطرنا فيقول تعالى : " بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم * تدمر كل شيء بأمر ربها " أي تهلك كل شيء أمرت به
فكان أول من أبصر ما فيها وعرف أنها ريح فيما يذكرون امرأة من عاد يقال لها مهد فلما تبينت ما فيها صاحت ثم صعقت فلما أفاقت قالوا : ما رأيت يا مهد ؟ قالت : رأيت ريحاً فيها شبه النار أمامها رجال يقودونها فسخرها الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً ، والحسوم : الدائمة ، فلم تدع من عاد أحداً إلا هلك
قال : واعتزل هود - عليه السلام - فيما ذكر لي - في حظيرة هو ومن معه من المؤمنين ، ما يصيبهم إلا ماتلين عليه الجلود ، وتلذ الأنفس ، وإنها لتمر على عاد بالظعن فيما بين السماء والأرض ، وتدمغهم بالحجارة وذكر تمام القصة
وقد روى الإمام أحمد حديثاً في مسنده يشبه هذه القصة فقال : حدثنا زيد بن الخباب ، حدثنى أبو المنذر سلام بن سليمان النحوي ، حدثنا عاصم بن أبي النجود ، عن أبي وائل ، عن الحارث - وهو ابن حسان - ويقال ابن يزيد البكري ، قال : خرجت أشكو العلاء بن الحضرمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمررت بالزبذة ، فإذا عجوز من بني تميم منقطع بها ، فقال لي : يا عبد الله إن لي إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجة ، فهل أنت مبلغي إليه ؟
قال : فحملتها فأتيت المدينة فإذا المسجد غاص بأهله ، وإذا راية سوداء تخفق ، إذا بلال متقلد السيف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : ما شأن الناس ؟ قالوا : يريد أن يبعث عمرو بن العاص وجهاً
قال : فجلست ، قال : فدخل منزله - أو قال رحله - فاستأذنت عليه فأذن لي ، فدخلت فسلمت فقال : هل كان بينكم وبين بني تميم شيء ؟ فقلت : نعم وكانت لنا الدائرة عليهم ومررت بعجوز من بني تميم منقطع بها ، فسألتني أن أحملها إليك وها هي ذي بالباب ، فأذن لها فدخلت ، فقالت : يا رسول الله إن رأيت أن تجعل بيننا وبين بني تميم حاجزاً ، فاجعل الدهناء فإنها كانت لنا ، قال : فحميت العجوز واستوفزت وقالت : يا رسول الله فإلى أين يضطر مضطرك ؟ قال : قلت : إن مثلي ما قال الأول : معزى حملت حتفها ، حملت هذه الأمة ولا أشعر أنها كانت لي خصماً ، أعوذ بالله ورسوله أن أكون كوافد عاد ، قال : هيه وما وافد عاد ؟ وهو أعلم بالحديث مني ولكن يستطعمه
قلت : إن عاداً قحطوا فبعثوا وافداً لهم يقال له : قيل ، فمر بمعاوية بن بكر فأقام عنده شهراً يسقيه الخمر وتغنيه جاريتان يقال لهما : الجرادتان ، فلما مضى الشهر خرج إلى جبال تهامة ، فقال : اللهم إنك تعلم أني لم أجىء إلى مريض فأداويه ، ولا إلى أسير فأفاديه ، اللهم اسق عاداً ما كنت تسقيه فمرت به سحابات سود فنودى منها : اختر فأومأ إلى سحابة منها سوداً ، فنودي منها : خذها رماداً رمدداً ولا تبقى من عاد أحداً ، قال : فما بلغني أنه بعث عليهم من الريح إلا كقدر ما يجري في خاتمي هذا من الريح حتى هلكوا
قال أبو وائل : وصدق : وكانت المرأة والرجل إذا بعثوا وافداً لهم قالوا : لا تكن كوافد عاد
وهكذا رواه الترمذي ، عن عبد بن حميد ، عن زيد بن الحباب به ورواه النسائي من حديث سلام أبي المنذر ، عن عاصم بن بهدلة ، ومن طريقه رواه ابن ماجه وهكذا أورد هذا الحديث وهذه القصة عند تفسير هذه القصة غير واحد من المفسرين كابن جرير وغيره
وقد يكون هذا السياق لإهلاك عاد الآخرة ، فإن فيما ذكره ابن إسحاق وغيره ذكر لمكة ، ولم تبن إلا بعد إبراهيم الخليل ، حين أسكن فيها هاجر وابنه إسماعيل ، فنزلت جرهم عندهم كما سيأتي ، وعاد الأولى قبل الخليل ، وفيه ذكر معاوية بن بكر وشعره ، وهو من الشعر المتأخر عن زمان عاد الأولى ، ولا يشبه كلام المتقدمين وفيه أن في تلك السحابة شرر نار ، وعاد الأولى إنما أهلكوا بريح صرصر ، وقد قال ابن مسعود وابن عباس وغير واحد من أئمة التابعين : هي الباردة والعاتية الشديدة الهبوب
" سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما " أي كوامل متتابعات قيل : كان أولها الجمعة ، وقيل الأربعاء
" فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية " شبههم بأعجاز النخل التي لا رؤس لها ، وذلك لأن الريح كانت تجيء إلى أحدهم فتحمله فترفعه في الهواء ، ثم تنكسه على أم رأسه فتشدخه فيبقى جثة بلا رأس ، كما قال : " إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر " أي في يوم نحس عليهم ، مستمر عذابه عليهم
" تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر " ومن قال إنه اليوم النحس المستمر يوم الأربعاء وتشاءم به لهذا الفهم ، فقد أخطأ وخالف القرآن ، فإنه قال في الآية الأخرى : " فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات " ومعلوم أنها ثمانية أيام متتابعات ، فلو كانت نحسات في أنفسها لكانت جميع الأيام السبعة المندرجة فيها مشئومة ، وهذا لا يقوله أحد ، وإنما المراد في أيام نحسات ، أي عليهم
وقال تعالى : " وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم " أي التي لا تنتج خيراً ، فإن الريح المنفردة لا تثير سحاباً ولا تلقح شجراً ، بل هي عقيم لا نتيجة خير لها ، ولهذا قال : " ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم " أي كالشيء البالي الفاني الذي لا ينتفع به بالكلية
وقد ثبت في الصحيحين من حديث شعبة عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " نصرت بالصبا ، وأهلكت عاد بالدبور "
وأما قوله تعالى : " واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم " فالظاهر أن عاداً هذه هي عاد الأولى ، فإن سياقها شبيه بسياق قوم هود وثم الأولى ، ويحتمل أن يكون المذكورون في هذه القصة هم عاد الثانية ويدل عليه ما ذكرنا وما سيأتي من الحديث عن عائشة رضي الله عنها
وأما قوله : " فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا " فإن عاداً لما رأوا هذا العارض وهي الناشيء في الجو كالسحاب ظنوه سحاباً ممطراً ، فإذا هو سحاب عذاب ، اعتقدوه رحمه فإذا هو نقمة ، رجوا فيه الخير فنالوا منه غاية الشر قال الله تعالى : " بل هو ما استعجلتم به " أي من العذاب ، ثم فسره بقوله : " ريح فيها عذاب أليم " يحتمل أن ذلك العذاب هو ما أصابهم من الريح الصرصر العاتية الباردة الشديدة الهبوب ، التي استمرت عليهم سبع ليال بأيامها الثمانية فلم تبق منهم أحداً ، بل تتبعهم حتى كانت تدخل عليهم كهوف الجبال والغيران فتلفهم وتخرجهم وتهلكهم ، وتدمر عليهم البيوت المحكمة والقصور المشيدة ، فكما منوا بشدتهم وبقوتهم وقالوا : من أشد منا قوة ؟ سلط الله عليهم ما هو أشد منهم قوة ، وأقدر عليهم ، وهو الريح العقيم
ويحتمل أن هذه الريح أثارت في آخر الأمر سحابة ، ظن من بقي منهم أنها سحابة فيها رحمة بهم ، وغياث لمن بقي منهم ، فأرسلها الله عليهم شرراً وناراً كما ذكره غير واحد ويكون هذا كما أصاب أصحاب الظلة من أهل مدين ، وجمع لهم بين الريح الباردة والمذاب النار ، وهو أشد ما يكون من العذاب بالأشياء المختلفة المتضادة ، مع الصيحة التي ذكرها في سورة قد أفلح المؤمنون والله أعلم
وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن يحيى بن الضريس ، حدثنا ابن فضيل عن مسلم ، عن مجاهد ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما فتح الله على عاد من الريح التي أهلكوا بها إلا مثل موضع الخاتم ، فمرت بأهل البادية فحملتهم ومواشيهم وأموالهم بين السماء والأرض ، فلما رأى ذلك أهل الحاضرة من عاد ، الريح وما فيها " قالوا هذا عارض ممطرنا " فألقت أهل البادية ومواشيهم على أهل الحاضرة "
وقد رواه الطبراني عن عبدان بن أحمد ، عن إسماعيل بن زكريا الكوفي ، عن أبي مالك ، عن مسلم الملائي ، عن مجاهد وسعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما فتح الله على عاد من الريح إلا مثل موضع الخاتم ، ثم أرسلت عليهم البدو إلى الحضر ، فلما رآها أهل الحضر قالوا : هذا عارض ممطرنا مستقبل أوديتنا وكان أهل البوادي فيها ، فألقى أهل البادية على أهل الحاضرة حتى هلكوا "
قالت : عتت على خرانها حتى خرجت من خلال الأبواب : قلت : وقال غيره : خرجت بغير حساب
والمقصود أن هذا الحديث في رفعه نظر ، ثم اختلف فيه على مسلم الملائي ، وفيه نوع اضطراب والله أعلم
وظاهر الآية أنهم رأوا عارضاً والمفهوم منه لغة السحاب ، كما دل عليه حديث الحارث بن حسان البكري ، إن جعلناه مفسراً لهذه القصة
وأصرح منه في ذلك ما رواه مسلم في صحيحه حيث قال : حدثنا أبو بكر الظاهر ، حدثنا ابن وهب قال : سمعت ابن جريج ، حدثنا عن عطاء بن أبي رباح ، عن عائشة رضي الله عنها قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال : " اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به ، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به " قالت : وإذا غيبت السماء تغير لونه ، وخرج ودخل ، وأقبل وأدبر فإذا أمطرت سرى عنه ، فعرفت ذلك عائشة فسألته فقال : لعله يا عائشة كما قال قوم عاد : " فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا "
رواه الترمذي و النسائي و ابن ماجه ، من حديث ابن جريج
طريق أخرى : قال الإمام أحمد : حدثنا هارون بن معروف ، أنبأنا عبد الله بن وهب ، أنبأنا عمرو - وهو ابن الحارث - أن أبا النضر حدثه عن سليمان بن يسار ، عن عائشة أنها قالت : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعاً ضاحكاً قط حتى أرى منه لهواته ، إنما كان يبتسم وقالت : كان إذا رأى غيماً أو ريحاً عرف ذلك في وجهه ، قالت : يا رسول الله إن الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر ، وأراك إذا رأيته عرف في وجهك الكراهية ؟ فقال : " يا عائشة ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب ! قد عذب قوم نوح بالريح "، وقد رأى إليه أولاً ، فعلى هذا تكون القصة المذكورة في سورة الأحقاف خبراً عن قوم عاد الثانية وتكون بقية السياقات في القرآن خبراً عن عاد الأولى والله أعلم بالصواب
وهكذا رواه مسلم عن هارون بن معروف ، وأخرجه البخاري و أبو داود من حديث ابن وهب
وقدمنا حج هود عليه السلام عند ذكر حج نوح عليه السلام وروى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أنه ذكر صفة قبر هود عليه السلام في بلاد اليمن وذكر آخرون أنه بدمشق وبجامعها مكان في حائطه القبلى يزعم بعض الناس أنه قبر هود عليه السلام والله أعلم


 

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:45 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
جميع الحقوق محفوظه0لموقع سلايل عبس

جميع ما يكتب في المنتدى لايمثل الاراي كاتبه

a.d - i.s.s.w

اتصل بنا تسجيل خروج تصميم: حمد المقاطي