كان جحدر بن مالك من لصوص العرب وشياطينهم يغير على أحيائهم فينهبهم ويفتك بمن يتعرض له واشتد شره في أيام عبدا لملك بن مروان حتى أباد خلقا كثيرا فبلغ أمره الحجاج – فكتب إلى عامله باليمامة يؤنبه لعجزه عن الضرب على يد ذلك الفاتك وأمره أن يوقع به ويحمله أسيرا إليه .
فاتفق العامل مع جماعة من فتيان بنى حنظلة وجعل لهم جعلا عظيما أن هم أتوا به مغلولا .
فأرسلوا لجحد ر يقولون أنهم يريدون الخضوع لأمره فأخلد جحدر إلى قولهم وأدخلهم في صحبته - فأخذوا ينهبون تحت لوائه إلى أن صادفوا منه غره ( غفلة ) فشدوا وثاقه وقدموا به إلى العامل الذي وجههم به إلى الحجاج .
فلما مثلوا بين يديه قال الحجاج – أنت جحدر – قال : نعم – قال الحجاج : ما جرأك على مابلغلنى عنك – قال : جور الزمان – وجرأة الجنان قال الحجاج وما بلغ من أمرك – قال لو ابتلاني الأمير وجعلني مع الفرسان لرأى منى ما يعجبه
قال :
ياجحدر أنى قاذف بك إلى حفره – بها سبع شرس فأن قتلك كفانا مؤنتك وان قتلته عفونا عنك بشجاعتك .
فقال :
أصلح الله الأمير – لقد قرب الفرج – فأمر الحجاج بحبسه وكتب إلى العامل أن يرتاد له سبعا عتيا ويحمله إليه فأرتاد له أسدا خبيثا وكريه المنظر قد أفنى جميع ما باليمامة من حيوان ووضعه في قفص من حديد وأنفذه إلى الحجاج .
فأمر أن يلقى في الحفيرة ولا يطعم ثلاثة أيام حتى إذا ما أشتد به الجوع أخرج إليه جحدر – وما أعطى إلا سيفا والحجاج مشرفا على الحفيرة والناس حوله ينظرون إلى الأسد وما هو صانع بفريسته .
فلما رفع إليه نهض وزأر زئيرا راع الحاضرين فأنشد جحدر :
ليث وليث في مكان ضنك ** كلاهما ذو قـوة وضنـك
وشده فى نفسه وفتـك ** إن يكشف الله قناع الشك
فأنت لي في قبضتي وملكي ** وانت احق منزل بترك
ثم أدلى به فوقع عليه و قوع الصاعقة فصرخ الأسد عند رؤيته لجحد ر صرخة عظيمة – فأجابه هو بأعظم منها وضربه بسيفه ضربة فلقت هامته – فكبر الناس وعجب الحجاج به وقال – لله درك ما أنجدك ( ما أشجعك فيما عجز عنه غيرك )
وأنشد جحدر يقول
ياجمل انك لو رأيت كريهتى ** فى يوم هول مسدف وعجاج
وتقدمى لليث أرسف موثقا ** كيما أثاروه على الأحراج
شئن براثنه كأن نيوبه ** زرق المعاول أو شباه زجاج
يسمو بناظرتين تحسب فيهما ** لهبا أحدهما شعاع سراج
وكأنما خيطت عليه عباءة ** برقاء أو خرق من الديباج
لعلمت أنى ذو حفاظ ماجد ** من نسل أقوام ذوى أبراج
ثم التفت الى الحجاج ، فقال :
علم النساء بأننى لا أنثنى ** اذ لا يثقن بغيرة الأزواج
وعلمت أنى ان كرهت نزاله ** أنى من الحجاج لست بناج
ثم خيره الحجاج بين أن يقيم عنده مكرما أو يلحق ببلاده على أن لا يؤذى أحدا ولا يحدث حدثا - فأختار جحدر الإقامة معه وأحسن أدبه حتى حظي عنده وجعله من سماره وخواصه وبعد ذلك بزمن غير طويل ولاه اليمامه ومكث فيها مدة قام فيها بأعباء الولاية خير مقام .